الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مئذنة نهر الجنون

مئذنة نهر الجنون

لا أمل من ذكر مسرحية الأديب الكبير توفيق الحكيم «نهر الجنون» وهى مسرحية قصيرة من فصل واحد لا يتعدى عدد صفحاتها ست صفحات تتحدث عن مملكة أصابها أمرغريب وهو أن كل من شرب من النهر تحول من العقل إلى الجنون، حدث هذا تدريجيًا حتى شرب الجميع من النهر ما عدا الملك ووزيره ثم يستمر الحوار الفلسفى بينهما والصراع بين العقل والجنون حتى تنتهى المسرحية بقرارهما أن يشربا من النهر ليتمكنا من التفاهم والتعامل مع الجميع.



يقول الملك فى نهاية الحوار «إنه من الجنون ألا اختار الجنون بل إنه لمن العقل أن أؤثر الجنون» ثم يتساءل «ما الفرق إذا بين العقل والجنون؟» فيرد عليه الوزير قائلا «لست أتبين فرقًا» فينهى الملك الحوار والمسرحية قائلا «على بكأس من ماء النهر».

وإن كنت لا أتفق مع ما أقدم عليه الملك والوزير فالعقل عقل والجنون جنون ومن الحكمة أن نتعامل مع الاختلاف ونظل محتفظين بمعتقداتنا وقيمنا حتى وإن كان الاختلاف هو عين الجنون إلا أن مثلًا آخر جعلنى أعاود التفكير والمراجعة لما قاما به.

الحكاية الأخرى تتحدث عن مجنون اختطف طفلًا وصعد به إلى قمة مئذنة لأحد المساجد الكبرى وقد اجتمع القوم فى أسفل المئذنة مناشدين هذا المجنون أن يتراجع عن إلقاء الطفل محدثينه بمنطقهم «العاقل والسليم» محاولين توضيح مغبة هذا الفعل وأن التصرف السليم يقتضى عليه أن يترك الطفل وأن يتخذ طريق النزول من فوق تلك المئذنة فورًا.

استمرت المحاولات الجادة والعاقلة لأثناء المجنون عن قراره إلا أن كل تلك المحاولات ذهبت إدراج الرياح فلا المجنون اقتنع ولا تنازل أو تراجع بل على العكس فإنه قد تشبث بموقفه أكثر وأكثر وهنا خرج أحد الحكماء بمقترح أن تتم الاستعانة بمجنون آخر لمخاطبة هذا الرجل عله يستطيع أن يفعل شيئًا وبالفعل أحضروا أحد المجانين وأعطوه توجيهًا بمحاولة إثناء الرجل عما هو مقدم على فعله وأن يحاول إقناعه بالنزول وهنا طلب منهم «منشارًا» وقبل أن يبدأ الرجال فى الاستغراب وفى توقع ما هو سبب هذا الطلب حثهم الحكيم على سرعة الاستجابة والتنفيذ وعندما أحضروا المنشار أمسكه الرجل بيده ونظر إلى المجنون الموجود فوق المئذنة قائلا بصيغة تهديد حاسمة «دع عنك ما ترغب فى عمله واهبط فورًا من فوق المئذنة وإلا سأقوم بنشرها وهنا ستسقط على الأرض ميتًا» وقبل أن يبدأ العقلاء فى السخرية والضحك فوجئ الجميع بأن المجنون قد أصابه الانزعاج والخوف وسلك طريق النزول سريعًا وهنا نجا الطفل الصغير.

مازلت أعتقد أن ما قام به الملك والوزير لم يكن صحيحًا فليس من الداعى أن تصاب بالجنون لتعرف كيف تتعامل مع المجانين، يكفى أن تستعين بأحدهم عند الحاجة تمامًا مثلما فعل الرجل الحكيم.