الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
  لغة الجينات 74

لغة الجينات 74

فيه ناس شغلتها فى الحياة «شماعة».. ودى شغلانة مفضلة جدًا ومطلوبة بقوة من الفاشلين..فكل شخص فاشل لازم يكون عنده «شخص شماعة» بيعلق عليها فشله.



«الشماعة» فى الظاهر بيحقق مكاسب كتير عينية ومعنوية لكن بيفضل تقديم نفسه على أنه شخص مظلوم ومضطهد وماحدش عارف يقدر مواهبة الفظيعة المريعة اللى ماحصلتش وأنه مجبر على شغلانة «الشماعة» علشان يواصل حياته.. وفى الباطن مصاب بأخطر أنواع الجهل.. جاهل بحقيقة جهله ويظن أن سلوكه وآراءه وتصرفاته سليمة.. لا يعترف أبدأ بخطئه ولا بأخطاء من يعمل عندهم «شماعة».. مدمن لثقافة التبرير واختراع مبررات وهمية لا أساس لها من الصحة.. وهذه النوعية «من الشماعات» يظنون أنهم قد أتموا ما عليهم من مسؤوليات وهو ما يضعهم فى خانة الجهل المركب أو المزدوج. «شغلانة الشماعة» لن تجد فيها رجل من «أصحاب الجينات الأصلية».. لن تجده فيها لأنه أولا «رجل» ويعترف بخطئه.. يعلم أن الخطأ مش عيب.. لكن العيب هو الاستمرار فيه وعدم التعلم منه.

«صاحب الجينات الأصلية» قادر على تحمّل مسئولية حياته وما يحدث فيها، لا يبحث عن شماعة يعلق عليها أخطائه.. ولا يتردد فى الإعتراف بخطئه.. ويدرك أنه هو المسئول الأول والأخير عن أحداث.. قراراته وخياراته فى الحياة واضحة.

«زكريا الحناوى» أحد أصحاب الجينات الأصلية، لم يتردد يومًا فى مساعدة الناس.. فى الظاهر طاف القرى والنجوع كباحث فى التراث.. وفى الباطن كان الطريق إلى عالمية الريس متقال محمد طه وخضرة محمد خضر وشوقى القناوى وقدمهم إلى جمهور الغناء فى العالم كله.

«الحجاوى» عاش كما أراد.. لا كما أراد له الناس.. عاشق للمدّاحين والبسطاء والفقراء والفلاحين.. لم يبحث يومًا عن شماعة ليعلق عليها مشاكله.. كما لم يكن أبدًا شماعة لأحد.. ولم يضبط يوما مروجا أو داعما غلا لمن آمن بموهبتهم.

فى الظاهر تعامل الكثيرون مع «الحجاوى» باستهانة شديدة وشعر هو بالمرارة من نكران الجميل.. لكن فى الباطن لم يندم الرجل يومًا أنه خبأ الرئيس السادات فى بيته مرتين أثناء حادثة مقتل أمين عثمان، وبعد أن تولى السادات رئاسة مصر منع أعماله من الإذاعة وفصله من عمله.. وكان هذا فى نفس التوقيت الذى تهدم فيه سقف البيت الذى يقيم فيه «الحجاوى» فأصبح بلا سقف فى الحياة.

عاش «الحجاوى» فى الظاهر حاملا ظرفه وسخريته وضحكاته ونكاته ومقالبه وخياله الواسع أينما حل.. وفى الباطن عاش تعاسة غربته داخل الوطن.. فحين جاء السادات للعمل مشرفًا للتحرير فى جريدة الجمهورية قبل أن يتولى الحكم، كان زكريا سكرتير تحريرها فقام بفصله.. بدون سبب بل لم يعرف الحجاوى خبر فصله إلا فى الصباح حين ذهب إلى الجريدة فوجد قرار فصله معلقًا على الحائط والأمن يمنعه من الصعود إلى مبنى الجريدة.. وقتها ضحك وخرج وقلبه يبكى لأنه يعلم السبب.. كان ينادى السادات باسمه دون أى ألقاب وأمام أى إنسان، وكان يدخل عليه مكتبه دون استئذان ويرفع الكلفة بينهما «ويهزر» معه بل «ويتريق» عليه ونصحه السادات بأن يكلمه بشكل رسمى أمام الناس ولكن زكريا لم يستجب ظل على طبيعته، لم يرضى أن يكون «شماعة» ففصله من الجمهورية.

«الحجاوى» ظل فى الظاهر شخصًا بشوشًا بسيطًا مهذبًا يعمل عمل فى فترة من حياته موظفًا بمجلس مدينة الجيزة ثم موظفا بوزارة الداخلية وفى الباطن لم يكن يرض عن نفسه فاستقال، وسافر إلى الصعيد وقضى هناك ثلاث سنوات ملازمًا لـ «ناعسة المزاتية» وهى أم كلثوم الفن الشعبى وكون لها فرقة غنائية وطاف معها الصعيد كله.

«الحجاوى» فى الظاهر مكتشف للنجوم.. شاعر يكتب المواويل.. مثقف من ظراز خاص وفريد.. وفى الباطن يغوص فى قرى ونجوع مصر لاكتشاف أصوات كالذهب.. أسس فرقة الفلاحين، واكتشف أبو دراع وخضرة محمد خضر التى تزوجها ولعلع صوتها فى «أيوب المصري» و«ملاعيب شيحا».. وعندما طلبت منه الطلاق حفاظا على بيته ولإرضاء أم أولاده التى تعرفت عليها لم يتردد أيضا فى استمرار التعاون بينهما متخذًا منها أختًا له.

ولأنه لا كرامة لنبى فى وطنه فقد وجد الحجاوى نفسه بلا دخل ثابت مفصولا من عمله، مهزوما فسافر إلى قطر وكون هناك فرقة قطر للفنون الشعبية كما أعاد صياغة الأغانى البدوية والأهازيج القبلية وجمعها فى شرائط لتكون مكتبة الأغانى الشعبية فى إذاعة قطر، وما أراح زكريا الحجاوى الذى ما كان يستطيع أن يترك أرصفة مصر وحواريها دقيقة واحدة هو وجود الطيب صالح رئيسًا مباشرًا له فى قطر، فلقد كان حاميًا له من كارهى النجاح، وقتلة المواهب..

ولكن يبدو أن متاريس الحماية لم تفلح فلقد عانى الحجاوى من سلسلة من الأزمات النفسية والصحية التى قضت عليه حيث مات فى إحدى أزماته القلبية فى 7 ديسمبر 1975. أعلم أهم ميزة فى شخصية الناجحين فى الحياة والذين حققوا أهدافهم ورغباتهم هى ميزة تحمّل المسئولية، هم مؤمنون جدًا بأن كل شخص مسؤول عما يجرى له وذلك بتأثير من أفكاره التى يفكر بها دائمًا، وكلماته التى يتلفّظ بها، ومعتقداته التى اكتسبها إما من التربية منذ الصغر، أو من تجاربه فى الحياة وتكرارها.

أحذر أن تكون من هؤلاء الذين أصبحوا «شماعة» يُعلّق البعض أخطاءهم عليها، كن شجاعًا وقويًا واتخذ القرار الآن بأنك وحدك المسئول عن حياتك.