السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الرئيس السيسى ركز كثيرًا على فكرة تهيئة المجتمع للتشريعات

عدم تمديد قانون الطوارئ والتقدم أكثر نحو الجمهورية الجديدة

الرئيس السيسى ركز كثيرًا على فكرة تهيئة المجتمع للتشريعات

يُقصر كثير من المثقفين والمفكرين والمهتمين بالشئون السياسية نظرتهم على السياسة فى مظهرها الأخير/الخارجى مما يتصل بالإجراءات الشكلية فى نظام الحكم، وهى نظرة غير عملية ومحدودة، وفى حين أن كافة الدراسات السياسية ترتبط بشكل حتمى بما تتأسس عليه السياسة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنواحى الأمنية فإننا لا نجد هذه المقاربة الشاملة متحققة فى تناول كتابنا وطروحاتهم كما هى غير متحققة كذلك فى مواقفهم وممارساتهم على أرض الواقع. 



وهذه مشكلة من مشكلات النخبة الحالية والسبب فى عدم اتضاح الرؤية السليمة لدى قطاعات كبيرة فى المجتمع المصرى.  لا يمكن للجمهورية الجديدة أن تنطلق نحو الديمقراطية رأسا دون إصلاحات شاملة فيما يخص الاقتصاد والتعليم وإصلاحات حتى فى العقل المصرى والوعى الجمعى أو ما يعرف بإنماء المعرفة الجماعية، فليس هناك من ضمانة حقيقية ثابتة للديمقراطية غير الوعى الجمعى والمستوى الثقافى للمصريين، من نبذ للطائفية والإيمان الشامل والعميق بقيم المواطنة، وغياب خلط الأوراق باستغلال الدين فى السياسية، والقضاء على العوامل المساعدة لاستغلال الطبقات الفقيرة من هذه التيارات الموظفة للدين فى السياسة وتحسين حال المواطن بشكل عام، فلا يكون منشغلا طوال الوقت بأعبائه الذاتية والفردية ثم حين يطلب للمشاركة السياسية لا يكون أمامه غير الغضب والعنف، فلابد أن يكون مستقرا أولا ويعيش فى إطار حكومى راسخ، ورسوخ الإطار الحكومى وفكرة الدولة هو ثقافة لدى المواطن قبل أن تكون قوة فى المؤسسات، ولذلك نجد أن الرئيس السيسى ركز كثيرا على فكرة تهيئة المجتمع للتشريعات قبل الانشغال بفرضها، وما يعزز من فعالية أى تشريعات جديدة هو أن تكون نابعة من ثقافة الناس ويكون هناك ثقافة احترام القانون والرغبة فى تطبيقه والإيمان العميق بقيمته وجدواه من المواطنين والإيمان بأنها تشريعات فى صالحنا. 

ما ركز عليه نظام الرئيس السيسى هو أن يكون هناك إصلاح شامل فى المجتمع المصرى قبل الإصلاح فى الدولة، أو أن يتزامن ويتوازى الإصلاح فى المجتمع مع الإصلاح فى المؤسسات.  أن تكون هناك إجراءات لتحسين وضع الناس وبرامج لتشغيلهم والرعاية بصحتهم وتعليمهم وتحسين أحوالهم متزامنة مع إجراءات تقوية المؤسسات والارتقاء بالحوكمة ومنظومة الدولة وقدراتها التنفيذية. وعملية بناء الإنسان يمكن أن ينظر لها بعض المثقفين فى شكلها المباشر من خلال برامج التعليم والثقافة، والحقيقة هى نظرة خاطئة أو غير دقيقة، لأن بناء الإنسان يبدأ من طعامه واحتياجاته الأساسية، يبدأ من الأمن والتغذية والسكن وتكافؤ الفرص فى العمل، وهى المكونات المادية أو الملموسة، ثم التحول بعد ذلك إلى جانب القيم المعنوية أو الجوانب الفكرية لدى الإنسان، فيأتى تاليًا الاهتمام بالمحتوى الثقافى والعلمى والمعرفى والجوانب الفكرية، فلا يمكن أن يكون هناك حوار سليم مثلا بين فئات الشعب التى لا تنعم بالأمان والثقة والتشبع، لا يمكن لمجموعة من الجياع مثلا أن تقيم حوارا سليما وصحيا بينهم، ولا يمكن لإنسان عاطل ومشحون بالغضب والعنف أن يفكر فى الانتخابات بعقل حر أو سليم، وهكذا فإن ما اتجه إليه الرئيس من إصلاح فى البنية التحتية بشكل شامل واقتحام حياة المصريين بالإصلاح عبر برامج عديدة ومتنوعة أضخمها وأشملها مشروع حياة كريمة، هو المسار الصحيح للجمهورية الجديدة، والغريب أن كثيرًا منها كانت تتم معارضتها من النخبة فى وقتها، مثل إصلاح منظومة الدعم التى استغلها كثيرون للمزايدة والتناول الشعبوى الحنجورى، والحديث عن الفقر والفقراء بشكل فيه تضليل، فى حين أن الواقع أثبت كون هذه الإصلاحات حتمية وخطوات نحو الجمهورية الجديدة، ومن يقول غير ذلك فهو مضلل أو غير واع. 

من المفاهيم المغلوطة لدى النخبة وهى مع الأسف كثيرة أنهم ينظرون إلى تقوية الدولة على أنه ضد مصالح المواطن أو على الأقل بانفصال عن مصلحة الفرد، ولا ينبه أحد إلى فكرة أن قوة الدولة مكسب للفرد، فهى فى الأساس مظلة حماية جماعية للجميع ومظلة تنظيم وتفعيل للإمكانات والطاقات الفردية والمؤسسية وبالتالى فإن كل قوة للدولة هى لصالح المواطن فى الأصل، وبشكل مبسط فإن كل تطور فى منظومة العدالة والتقاضى أو تقوية لأساليب الشرطة ونظام عملها هو بالأساس من مكاسب المواطن الذى قد يستعيد عبرها حقه، ويكتسب حمايته ويطمئن ويؤدى عمله فى جو من الطمأنينة والأمان وبالتالى تتعزز طاقاته وقدراته الإنتاجية التى ستعود عليه، يعنى مثلا الأسرة التى يطمئن فيها عائلها على بناته وزوجته وأطفاله سيكون رب هذه الأسرة قادرا على التركيز فى عمله ويستطيع تنمية قدراته ويترقى فى عمله، كلها أشياء مما تقل الإشارة إليه من مثقفينا وكتابنا مع الأسف الشديد.

فى رأيى أن إلغاء حالة الطوارئ فى مصر هو مؤشر جيد ويثبت قدر صدق الرئيس السيسى ومصداقية نظامه وخطواته الدقيقة فى السير نحو جمهورية جديدة، وإن كان هو مسألة شكلية وأحدث فارقًا كثيرًا على المستوى التنفيذى على أرض الواقع فى مسألة الحريات لأن نظام الرئيس السيسى هو من الأساس يسير وفق التشريعات والقوانين، ولم يكن هناك تعامل إلا عبر المحاكمات المدنية والمحاسبة الجنائية وهذا ما تلتزم به الشرطة وكافة المؤسسات، فليس معنى إلغاء قانون الطوارئ أننا كنا نعيش حياة معينة وممارسات معينة ثم سنتحول بقوة قانون الطوارئ إلى حياة مختلفة تمامًا، بل ما كان قبل إلغاء قانون الطوارئ هو التحول الحقيقى والإصلاح الحق لأنه تمهيد لإلغاء القانون، تهيئة للساحة المصرية ما يضطر إلى اللجوء للعمل بقانون الطوارئ، وهذا هو منهج الرئيس السيسى الثابت أن يأتى القانون لبيئة مهيئة ومناسبة له تمامًا. 

الحقيقة أن الإصلاحات شاملة وتسير بنا بكل قوة نحو الجمهورية الجديدة، وهذا ما لم يستوعبه كثير من المثقفين، وهذا مع الأسف مؤشر سلبى يدل إما على حالة من الضعف الثقافى أو أن الأيديولوجيات الضيقة غلبت على حياة المثقفين المصريين وهذا نتاج حالة ممتدة من الاستقطاب والاختراقات الكثيرة التى تمت من الجماعات على مدار العقود السابقة فتغلغلوا فى الحياة الثقافية وفى كافة التيارات بما جعلهم متواجدين بهيمنة داخل كل التيارات، ولهذا قليل من المثقفين الذى يعترف بكلمة الحق ويشير إلى أن مسار الرئيس السيسى نحو الإصلاح السياسى هو المسار السليم، فلا سياسة صحيحة إلا ولابد أن تتأسس على وعى معرفة وحالة معرفية مجتمعية مختلفة، وذلك لابد أن يسبقه تحقيق للأساسيات، فلابد من إصلاح اقتصادى وقضاء على البطالة وتقوية مؤسسات الدولة وزيادة الحوكمة أو الارتقاء بها بعيدا عن رخاوة الدولة التى كانت حاصلة فى 2011 وما قبلها، الإصلاح من أحوال الناس وتغيير واقعهم الاقتصادى والقضاء على البطالة وتحسين الإسكان ووضع خطة وخطوات ولو نظرية أو مسار نظرى لإصلاح التعليم وغيرها الكثير ما يمهد كله لإصلاح سياسى، وهذه المسألة يمكن تشبيهها بثنائية الهاردوير والسوفت وير فى مجال البرمجيات وعلوم الكمبيوتر، فلا يمكن أن يكون هناك نظام سوفت وير أى نظام فكرى وثقافى وسياسى سليم إلا ولابد أن يسبقه تحسين حتمى فى الهاردوير، والاتجاه إلى الديمقراطية لابد أن يتأسس على إصلاح شامل فى العقل والجوانب المعرفية المصرية.

وسيشهد التاريخ أن الرئيس السيسى هو الرجل الأكثر وعيا بمتطلبات مصر واحتياجاتها فى السنوات الأخيرة وهو الأكثر وعيا بمراحل التحول وكيف يكون متدرجا ومؤسسا على بعضه، فالتحول فى مسارات الأمم والدول والشعوب ليس بالمسائل الهينة والارتجال والعشوائية فى إحداثه يصنع خللا شنيعا ويعرض للهدم، أما التدرج المنطقى والترتيب الطبيعى للأمور بما يتوافق مع متطلبات البناء وحتمياته يجعل هذا التحول ناجحا ونتائجه راسخة. 

والطريف أن الكتاب والروائيين والشعراء والمثقفين المشتغلين بالخيال يكون تصورهم وتخيلهم على قدر من المحدودية فى بعض الأحيان بحيث يكون إدراك رجال السياسة أحيانا أشمل منهم ورؤيتهم أكثر اتساعا، وهنا ربما يطول الحديث عن فكرة الجمع بين النظرى والتطبيقى، بين العلمى والخيالى فى الآن نفسه وهو منهج الرئيس الذى يتسلح بالعلم والنظرية بقدر ما يركز على الواقع الفعلى والعمل التطبيقي، ولهذا فإن المسار الذى يرتضيه لنا الرئيس هو الذى يؤتى ثماره العملية على أرض الواقع ويسهم بالفعل فى تحسين أحوال المصريين بشكل فردى وجماعى، ويسهم فى بلوغنا للتحول بشكل سلس إلى الجمهورية الجديدة التى تعنى فى جزء كبير منها إنسانا مصريا جديدا، تكوينا عقليا وثقافيا وفكريا جديدا وليس فقط فى مستوى الشكل أو البنية التحتية وقوة المؤسسات، والجميل أن قرارات الرئيس وخطواته مازالت تفاجئ الكثيرين وأحيانا تكون مفاجآت مربكة لكل الحسابات، وأتصور أنه مع اكتمال الإصلاح فى البنية التحتية وبداية بروز الإصلاحات فى الجوانب السياسية والثقافية ستكون المفاجآت أكثر وأشد إسعادا للمصريين وستطمئنهم بمرور الوقت بأن ما يراد له هو بالفعل أن تكون مصر دولة عصرية قوية وحديثة ولا تقل عن أى دولة فى العالم الأول شكلا ومضمونا، بنية تحتية ونظامًا سياسيًا.