السبت 9 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بين السيكولوجية الأكاديمية والسلوك الأكاديمى!

بين السيكولوجية الأكاديمية والسلوك الأكاديمى!

من أقوال العلماء فى سالف العصر والأوان: 



«يُعالج فساد اللحم بالملح عادة؛ فكيف نداوى الملح إن فسد الملح»؟! ويقول الشاعر مخاطبًا أهل العقل؛ وهم ـ الآن ـ بمثابة المعادل للقوى الناعمة فى مصرنا المحروسة:

( يارجـــال العلــــم.. يا مِلح البلد ** من يُصلح المِلــح.. إذا المِلح فسد)؟! 

مقولة رائعة تعكس مدى فلسفة العرب الذين علموا وأرشدوا العالم إلى طريق «الحكمة» واستخدامها لإصلاح المجتمع؛ بداية من تربية النشء على حب الفضيلة والأخلاق الحميدة. ولست بصدد الإعلان عن: لماذا ومتى قيلت تلك الحكمة الرائعة وفى أى عصر؛ ولكننا نتذكرها بمناسبة البدء فى عام دراسى جديد؛ يُعد بمثابة البدء فى نثر البذور الطيبة فى الأرض الطيبة؛ لتأتى لنا النتائج بالشجر والثمر.  ولنكون تمامًا كالفلاح الفصيح الذى يعرف أين ومتى يبذر بذرته فى أعماق الأرض.. وبكل الإيمان الفطرى القوى فى قلبه وروحه.. و«يترك الباقى على الله»! ونعم بالله؛ ولكن مع تقدم  العلوم التى منحها الله لعقول البشر؛ صار لا بد من تعضيد الإيمان البشرى الفطرى؛  بتضفيره بما وصلت إليه البشرية من العلوم كافة؛ تحقيقًا لما أمرنا به الله جل شأنه حين قال: «وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا»! (طه 114).

وكلنا ـ بالطبع ـ يعلم أن الأساتذة والمعلمين؛ وكل من يحمل على أكتافه عبء التصدى لممارسة مهنة التدريس الشاقة والمقدسة فى آن معا؛ هُم أيضًا مِلح الأرض ــ بالمعنى المجازى الذى تعارفنا عليه ــ وهم قاطرة التنوير التى تسير على قضبان الفضيلة والأخلاق السويَّة الحميدة التى تنهض على مبادئها الأمم؛ كى يتم تحقيق التقدم العلمى والتكنولوجى الذى يفتح بدوره أبواب الرخاء والرفاهية داخل كل التجمعات البشرية.

وكان الهدف الأسمى لتحقيق القدر الأكبر فى ضمان المستوى الرفيع لكل من يقوم بتلك المهمة داخل المؤسسات التعليمية ـ القومية أو الأهلية ـ  هو الاهتمام بمتابعة وتحديد السلوك الخُلُقى للأستاذ الجامعى فى المجال الأكاديمى؛ على أن تتم تلك المتابعة بواسطة أعضاء هيئة التدريس القدامى؛ وتقديم التقرير الوافى عن مدى كفاية وكفاءة الأستاذ الجامعى فى عملية التدريس وطرائقها؛ والوقوف على مدى تعامله مع الموضوعات ذات الحساسية الخاصة داخل قاعة التدريس؛ ورصد مدى قدرته على تنمية التفكير العلمى والاستقلالية الفكرية لطلابه؛ ومعرفة العلاقة الثنائية بينه وبين الجموع بكل الأمانة والثقة؛ لأن هذه الأخلاقيات تمثل عنصرًا أساسيًا فاعلاً فى تحسين ـ بالمنطق العلمى والتكنولوجى مخرجات المؤسسة الجامعية وتطويرها.

ولعلى استطيع أن أقدم للقارئ ـ غير المتخصص ـ مدى الجهد الذى يبذله «طالب العلم» منذ المراحل التعليمية الأولى والخروج من عنق الزجاجة فى المرحلة الثانوية؛ حتى يندرج تحت عباءة التعليم الجامعى بتفوق.. ومروره بالمراحل التالية للدخول فى عباءة «السيكولوجية الأكاديمية» كما يُطلق عليها؛ ولحصول على ما يسمى بـ« الرتب الأكاديمية»: 

معيد: حاصل على البكالوريوس أو الليسانس -عادة ما يعيّن من ضمن الطلاب الأوائل على دفعته-.

مدرس مساعد: حاصل على درجة الماجستير.

مدرس:  حاصل على درجة الدكتوراه.

أستاذ مساعد: يكون قد أمضى على درجة مدرس ما لا يقل عن خمس سنوات وقام بنشر أبحاث علمية والإشراف على مشاريع تخرج ورسائل علمية وأعمال إدارية بقدر تحدده المجالس المختصة ليتمكن من الترقى لدرجة أستاذ مساعد..

أستاذ: شروط الترقى لأستاذ مساعد ذاتها مع فرق القدر المطلوب والذى تحدده المجالس المختصة كذلك.

أستاذ متفرغ:‏ الأستاذ بعد تخطيه سن الستين حيث يُعفى عضو هيئة التدريس من المناصب الإدارية إلا فى حالات الاقتضاء.

وفى كل تلك المراحل العلمية والمثابرة على التحصيل الجاد والهادف فى مجال تخصصه؛ تكون مكارم الأخلاق هى الدليل الموثق فى أوراقه ودفاتره وسلوكه؛ ليتسنى له أن يحظى بشرف الأستاذية التى تشرُف بالسلوك الأكاديمى فى كل مراحل العمر؛ وحتى يظل «الملح» صالحًا مدى الدهر.. ولا يفسد!

وإننى أهيب بالسادة مخططى السياسة التعليمية فى مصرنا المحروسة؛ أن يتم تفعيل مقررات ماقام به «مركز القياسات الدولية للتعليم التابع للمركز القومى للتعليم والاقتصاد» والتوصية بالاهتمام بجودة مدرس المرحلة الابتدائية فى الأنظمة عالية الأداء؛ ويحبذ هذا المركز الاستعانة بالأساتذة الجامعيين فى الاضطلاع بمهمة التدريس فى المراحل الابتدائية والإعدادية للارتفاع بمستوى العملية التعليمية والاستفادة من مجهودات «الأستاذ الأكاديمى» بكل مواصفاته العلمية والأخلاقية ـ كما سبق وأوضحنا ـ لتخريج جيل جديد يعتمد على استقاء كل جديد من منابعه العلمية الأصلية؛ والاعتراف بحق الأجيال الصاعدة بأن تحظى بجيل من الأساتذة الكبار فى «الرتب الأكاديمية»؛ وهى نظرية ناجحة جدًا فى العالم الغربى؛ وللأسف «يستنكف» بعض السادة الأكاديميين الاضطلاع بتلك المهمة المقدسة فى قاعات الدرس للمراحل الابتدائية والثانوية.. ولكن إلى متى سيظل هذا الوضع؛ والذى يُعد بمثابة «المثلث المقلوب» فى العملية التعليمية من الألف إلى الياء. 

إننا ننتظر استصدار القوانين المُلزمة للأستاذ الجامعى أن يكون ضمن شروط منحه التسلسل العلمى لنيل «الرتب الأكاديمية»؛ أن يضطلع بالتدريس  بمراحل التعليم الأولية لمدة «سنتين» على أقل تقدير؛ أو «سنة»  للتدريس بالمناطق النائية التى تحتاج إلى جهد وكفاءة الأستاذ الأكاديمى؛ ويدرج اسمه فى لوحة الشرف التى توزع كل عام على المناطق التعليمية كافة.

إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يهيب دومًا برواد العلم والعلماء؛ بالمسارعة للمشاركة فى تحقيق السمو والارتفاع بالعملية التعليمية لصالح المشروعات القومية التى بدأت فى عهده؛ لتعويض سنوات التوقف عن تشييد المشروعات العملاقة.. والدور على الاعتماد على سواعد أبناء مصر الشرفاء فى بناء ونهضة الجمهورية الجديدة؛ ولنبدأ على بركة الله عامًا دراسيًا جديدًا؛ نحصد فى آخره ثمار الجهد والعرق فالمنظومة التعليمية بكل أضلاعها هى قبلة التقدم والرفعة.    أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر