الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإنسان والراوتر

الإنسان والراوتر

«اطفى الراوتر وشغله تانى» تلك الجملة الشهيرة التى غالبًا ما يختتم بها موظف الدعم الفنى لشركات الاتصالات أى مكالمة مع عميل لديه مشكلة خاصة تلك المشكلات المستعصية على الحل، هذه الجملة الشهيرة أصبحت مادة للسخرية من الخدمات التى تقدمها تلك الشركات ومن أسلوب تعامل فرق الدعم الفنى مع أى مشكلة يطالبون بحلها. وللحقيقة فإن هذه الجملة قامت بالفعل بحل الكثير من المشكلات ببساطة لأن إغلاق الراوتر وإعادة تشغيله مرة أخرى يقوم بإيقاف محاولات الهجمات السيبرانية على الراوتر وعلى الأجهزة المتصلة به ولو لفترة كما أن هذا الفعل يؤدى إلى تنقية الذاكرة الداخلية ومحو أى بيانات موجودة بها كما تسمح بإعادة عودة الراوتر إلى العمل داخل الشبكة متخلصًا من الذاكرة الممتلئة اوالأجهزة المتصلة به وأيضا يتم من خلالها إعادة تعريف الجهاز داخل الشبكة الكبيرة الخاصة بشركة الاتصالات ومن ثم تتم إعادة تعريفه على شبكة الإنترنت مرة أخرى.



من الممكن أحيانا أن يؤدى طول مدة التشغيل إلى مشكلات خاصة بعمل البرنامج الخاص بالجهاز كأن يدخل فى حلقات دائرة Loops أو يعيد محاولة تشغيل أمر ما ليس هو الأمر المطلوب أو يؤدى تكرار المحاولة غير الناجحة إلى بطء فى الاتصال أو انقطاع تام للخدمة. أمر مشابه نقوم بعمله فى الهواتف الذكية كلما شعرنا بسلوك غير طبيعى مثلما حدث منذ أيام قليلة حين فوجئ العديد من المستخدمين بانخفاض صوت الهواتف الذكية فجأة ودون سابق إنذار وهو ما جعل كل مستخدم يشك فى أن عطلًا ما قد أصاب المكونات المادية لجهازه Hardware قبل أن يقوم بإغلاق الهاتف وإعادة تشغيله مرة أخرى كإحدى محاولات الحل فيكتشف أن المشكلة قد اختفت وعاد صوت الجهاز المرتفع إلى سابق عهده.

ولأن العلاقة بين الإنسان والآلة قد أصبحت أكثر اقترابًا ووحدة فى عصر المعلومات عن أى عصر سابق فإن مقارنة بين الإنسان والراوتر فى كيفية إعادة استعادة وظائفه وكفاءة عمله قد جعلت الإنسان ينظر إلى الراوتر بنوع من الحقد الدفين ذلك الذى يتولد بعد أن يحاول الإنسان إعادة تشغيل عقله ووجدانه من خلال البحث عن زر لإعادة التشغيل Restart مثلما هو الحال فى هذا الجهاز وهو أمر غير موجود بالطبع.

ولكن فى الحقيقة فإن الإنسان الذى قد كرمه الله بالعقل عن سائر المخلوقات فإنه يستطيع من خلال تلك النعمة الكبيرة أن يقوم بأمور ربما تكون أفضل من إعادة التشغيل لجهاز إلكترونى، فليست كل تجارب الماضى سيئة وحتى التجارب السيئة يستطيع الإنسان الخروج منها بحكمة وعظة تساعده فى تشكيل مستقبل جديد بدون إزعاج كما أن التفكير العقلانى والذى يتضمن النظر إلى المشكلات والتجارب السلبية وتحليلها وأيضا تقدير لكيفية التعامل معها وتحديد ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث فى المستقبل ويستعد له كما يستطيع تنظيم عقله ووجدانه بتوازن يسمح له بمساحة من الاستجمام ومساحة من التخطيط ومساحة من الأمل ومساحة من التشاؤم أيضا وهنا تكمن الإشكالية فى كيفية تحديد المقادير المناسبة من كل عنصر من العناصر السابقة دون تفريط أو إفراط.