الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المتحذلقات

المتحذلقات

إعادة ترتيب المكتبة المنزلية قد يكشف أحيانًا عن وجود أعمال فنية مهمة لا تتذكر متى قمت بشرائها ولا كيف أنها قبعت كل تلك السنوات بدون قراءة من هذه الأعمال مسرحية «المتحذلقات» للكاتب المسرحى الفرنسى الشهير موليير، فى طبعات أخرى نجد أن اسم المسرحية «المتحذلقات السخيفات»، أتذكر أننى قد قمت بقراءة مسرحيتين فى غاية الأهمية هما «طرطوف» و«البخيل»، ربما حدث ذلك فى ثمانينيات القرن الماضى، هذا ما تشهد به تواريخ الطباعة ولون الأوراق.



مسرحية «المتحذلقات» عرضت بباريس لأول مرة فى عام 1659 وهى تندرج تحت تصنيف الملهاة الساخرة يتعرض فيها لعيوب مجتمعه وما فيه من مظاهر الرياء والنفاق والكذب والتعالى والاهتمام بالشكل على حساب الجوهر.

يتم ذلك من خلال فتاتين من أثرياء الريف –كاتوس وماديلون- يتطلعان إلى الطبقة البرجوازية بصورة محمومة ،الأمر الذى أفسدهما تماما جراء المبالغة فى الترف والتظاهر والتعالى والتكلف والتأثر بالروايات العاطفية التافهة المليئة بالمغامرات الخيالية أحيانا والممتلئة بالكثير من الصراعات والدموع والآهات خلال العلاقات الغرامية وصولا إلى الزواج الذى يأتى تتويجا لتلك المغامرات.

يتقدم لهاتين الفتاتين شابان من أثرياء الريف اللذان يعرضان عليهما عرض الزواج بصورة مباشرة خالية من البهرجة والخيال والتصنع فترفضهما الفتاتان وتردانهما ردا جافا غير كريم.

وهنا يتفتق ذهن أحد السيدين عن حيلة فله خادم لبق اسمه ماسكاريل بهى الطلعة يقوم بإعطائه ملابسه غالية الثمن ويبالغ فى تزيينه ويكلفه بانتحال لقب ماركيز وأن يسعى وراء الفتاتين هو وخادم آخر حتى يوقعهما فى حبائل حبه.

وكما هو متوقع وبعد العديد من المواقف الضاحكة تقع الفتاتان فى حب الخادمين أو بالأصح فى حب ملابسهما وأسلوبهما الناعم وحديثهما اللبق وقبل أن ترتمى الفتاتان فى أحضان الخادمين يظهر السيدان الأصليان ويوسعان الخادمين ضربًا ويكشفان للفتاتين عن ضحالتهما وسفاهة تفكيرهما وتفاهتهما.

بعد أن انتهيت من المسرحية طرحتها جانبًا وبدأت فى التفكير فى عصر المعلومات وما فعلته شبكات التواصل الاجتماعى من فتن وتعجبت كثيرًا أن تكون تلك الآفات قديمة كقدم تلك المسرحية وهنا أتانى خاطر أن تلك الآفات ربما تكون أقدم من ذلك بكثير وهو الأمر المرجح.

ثم تذكرت عشرات أو مئات الحكايات الشبيهة بالموقف الرئيسى فى تلك المسرحية والتى نمر بها بصورة شبه يومية ثم انتبهت لخطورة هذا الأمر وتبعاته وأيقنت أن الوعى المطلوب يشمل جوانب كثيرة، أكثر بكثير من الأمور الواضحة والخطيرة التى نلمسها ونعرفها.