الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى الدورة الثانية والعشرين لأيام قرطاج المسرحية

جرأة الطرح فى «مارتير».. وسويسرا تتجاوز حاجز اللغة

تونس - هند سلامة



فى أجواء من الحرص والتحفظ والتمسك بضرورة ارتداء أقنعة الوجه الواقية، فلا دخول لقاعات المسارح بتونس إلا بالقناع، ومع التشدد فى الجلوس بمقاعد متباعدة، أقيمت فعاليات الدورة الثانية والعشرين من أيام قرطاج المسرحية برئاسة نصاف بن حفصية وبمشاركة متعددة وموسعة من الأعمال المسرحية مع اختلاف خلفياتها الإنتاجية والثقافية، حيث يحتوى المهرجان على العديد من المحاور الفنية التى ضمت تحتها مجموعة متنوعة من العروض المتفرقة ما بين المسابقة الرسمية ومسرح تونسى، عالمى، عربى، محلى ومسرح السجون وأطفال الشوارع، زخم شديد مع الاحتفاظ كما ذكرنا بكل شروط الإجراءات الاحترازية.

«مارتير»

افتتح المهرجان فعالياته بالعرض المسرحى «مارتير» للمخرج فاضل الجعايبى عن نص ألمانى للكاتب المسرحى ماريوس فون ماينبورج، ذهب المخرج فاضل الجعايبى إلى ثقافة مغايرة وعالم آخر ليتناول من خلاله قضية التطرف الدينى فى عقيدة أخرى «المسيحية»، فعادة ما يتم تناول أزمة التطرف الدينى وأثره بالمجتمعات الإسلامية باعتبار أن المجتمعات العربية الأكثر تعرضا لهذا النوع من التطرف، لكن فى «مارتير» ذهب بنا المخرج إلى شكل من أشكال التطرف بالدين المسيحى الذى لم يختلف كثيرا عن شكل التطرف فى الديانات الأخرى إلا فى أسلوب ممارسته كل حسب طقوسه العقائدية، بينما الشكل واحد والعنف متكرر وانغلاق العقل عن سماع صوت آخر سوى صوت الجمود والثبات والتشبث بالرأى والخرافات أحيانا حتى فى علاج العلل البدنية، تناول ذكى وجرىء قدم من خلاله المخرج التونسى الأشهر فاضل الجعايبى التطرف بأشكاله وحالاته المختلفة، بالإضافة إلى الفكرة الرئيسية التى تأسس عليها العمل والتى يتأسس عليها منطق التطرف بالأساس أزمة الجسد والجنس على اختلاف أشكاله واساليب ممارسته بالمجتمع فهو أصل كل شيء بداية من أنه أصل الوجود ومرورا بأنه أصل التطرف والعنف ضد المرأة، ثم العنف ضد ممارسة الحرية فى التعامل مع الجسد البشرى سواء رجل أو إمرأة وبالتالى هو منبع بدايه العنف والتطرف والتحريم، هكذا يقدم لنا العرض صورة ذهنية مختلفة وأسلوبا مسرحيا جريئا وصادما فى تناول تلك القضايا الاجتماعية الشائكة سواء ما يخص العلاقات الحميمة أو المثلية الجنسية والعنف بالمدارس كل هذه الأشكال الاجتماعية التى تحولت فى شيء من الفوضى لتخلق فى المقابل تطرفا آخر وعنفا مضادا لمواجهة هذا الرفض، فعندما يخلق تيار متطرف عنيف رافض لكل شيء يقابله تيار آخر متطرف فى الدعوة إلى الحرية للممارسة أى شيء، بصورة عنيفة تحمل نوعا من الفجاجة أكثر من الحكمة والتحفظ فى تلك الدعوة وبالتالى يصبح المجتمع منقسما إلى تيارين تيار متحرر بلا قواعد أو مرجعية أخلاقية، وتيار آخر متشدد فى مرجعيته الدينية الرجعية التى لا تقبل التجديد أو النقاش والمجادلة، أراد العرض أن يدخل فى عمق أزمة واقعنا العربى دون أن يتناول تقاليد هذا الواقع أو الشكل التقليدى المعتاد فى مناقشة تلك القضايا، رغم الجرأة الفنية والفكرية التى جاء عليها العمل والتى ربما كانت تتناسب مع ما طرحه من قضايا صادمة، إلا أن العمل بالغ مبالغة كبرى فى تكرار تلك المشاهد الجريئة الصادمة للمشاهد العربى أحيانا والتى لم يعتد على مشاهدتها مسرحيا، كما بالغ واستطال فى إعادة مشاهد العنف بين طلاب المدرسة الواحدة وكأنه أراد الضغط على نفس المعنى بشكل مكرر مبالغ فيه!

حكاية زهرة

من بين عروض المسابقة الرسمية كان العرض المسرحى «حكاية زهرة» من المسرح الوطنى الفلسطينى عن رواية حكاية زهرة لحنان الشيخ وإخراج رائدة غزالة، تناول العرض حكاية فتاة قررت أن تسرد قصة حياتها ومآساتها فى علاقتها بالرجل خلال الحرب الأهلية فى لبنان تتناول الرواية بالأساس تبعات السنوات الأولى للحرب الأهلية فى بيروت وما تعرضت له النساء من معاملة وحشية، تقف زهرة أو بطلة العرض متصدرة المشهد وخشبة المسرح لتحكى لنا من خلال نافذة حكاياتها مع الحرب ومع زوجها الذى تركته فى إفريقيا وجاءت للعيش مع أهلها تحت طلقات الرصاص ثم الشاب الذى تقع فى حبه أثناء الحرب والتى تظن انه القناص الذى يقف ويقتل الأبرياء من النافذة تقيم معه علاقة عاطفية ثم تكتشف حملها وتواجهه، وخلال العرض تسرد البطلة حكايتها ونرى مع هذا السرد بعض المشاهد التمثيلية لأبطال العمل الذى تحكى عنهم، رغم جودة الصورة المسرحية الديكور والإضاءة، الذى احتوى على نوافذ وستائر وحرفة وجودة استغلال تلك الستائر فى المشهد الأخير بظهور كل أبطال العمل وراءها وكأنهم أصبحوا ظل حول بطلة القصة، إلا أن هذا العمل وقع فى فخين، الأول بدا وكأنه عرض مونودراما فأبطاله كانوا بالفعل ظلا للبطلة مجرد إكسسوار تستخدمهم فى سرد الحكاية كلما احتاجت لهم، تقع تفاصيل الحكاية عند «زهرة» وحدها هى البطلة بإمتياز ومن حولها مجرد إكسسوار لإستكمال حكايتها، إعتمد العرض على السرد والحكى أكثر من التمثيل بجانب فقدان البطلة إلى أهم عنصر من عناصرها الفنية وضوح الصوت مما تسبب فى عدم وضوح الكثير من الكلام وضياع تفاصيل الكثير من القصة، الفخ الثانى التساؤل الأول الذى سيطرأ على ذهن المشاهد لماذا نتناول اليوم قضية معاناة إمرأة بالحرب الأهلية فى لبنان خاصة وأن الدولة المنتجة للعرض «فلسطين» التى تمتلك فيض من القصص والحكايات الطازجة الصالحة لتناولها دراميا على المسرح حيث تعد فلسطين الدولة الأكثر ثراء فى الكتابة الدرامية لما لديها من قضايا حية راهنة تصلح للتناول الدرامى المعاصر، إذن لماذا تناول العرض قضية فى حرب مضت وزمن ولى!

«أبيض على أبيض»

 استضاف المهرجان ضمن فعالياته من دولة سويسرا العرض المسرحى «أبيض على أبيض» للمخرج دانيال فينرى باسكا يتناول العرض حياة مهرج سيرك، يروى الثنائى المهرج حكايتهما مع الحياة ويكشفان تفاصيل الطفولة الصعبة ومشقة المهنة ولولا قوة الصداقة والحب بينهما لما استطاعا هذا الثنائى المبدع الصمود فى وجه العاصفة ..قصة «روجيرو» و»إيلينا» التى يحكيها العرض بمنتهى الرشاقة والشاعرية وبكثير من التشويق والإثارة فى وقوف على أطلال الماضى من خلال علاقتهما الأسرية وعلاقته هو المعقدة بأبيه وكيف استطاعت حبيبته إعادة الروح له وعلمته كيف يحب نفسه وكيف يحب الحياة، فى صورة مسرحية بديعة اكتست خشبة المسرح بكشافات الإضاءة والتى كانت تهوى والدته تركيبها وفكها وإعتادت على ذلك دائما تم وضعها بكامل خشبة المسرح وبين اللعب والبهجة والفك والتركيب وحكى قصتهما معا وكيف نشأ منذ الصغر ثم كيف التقى حبيبته واكتملت رحلتهما، قدم العرض السويسرى فى رشاقة وشاعرية بالصورة والموسيقى والأداء الحركى للبطل وبطلة العرض، ورغم تحدثهما اللغة الفرنسية طوال العمل والتى قد لا يتقنها كامل جمهور المهرجان، نجاحا الثنائى بخفة ظلهما وحركتهما وأسلوب وأداء الحكى على خشبة المسرح فى الإستحواذ على انتباه الجمهور طوال 90 دقيقة والسيطرة عليه والتواصل معه رغم حاجز اللغة، كانت روحيهما أبلغ دليل للترجمة وتفسير حكاية العرض دون تواصل لغوى معه، عمل مسرحى ممتع بديع، يعتبر نموذجا حيا لتجاوز حاجز اللغات بدقة صناعة الصورة وقوة ورشاقة الأداء وخفة الظل حتى ولو لم يكن الكلام مفهموما كان التعبير الحسى أبلغ من الكلمات المنطوقة.

 

«ليلتكم سعيدة»

على خشبة المسرح البلدى كان الجمهور التونسى على موعد مع العرض المسرحى «ليلتكم سعيدة» الذى شارك على هامش فعاليات أيام قرطاج ضمن الاحتفاء بمصر خلال هذه الدورة، «ليلتكم سعيدة» إخراج خالد جلال وبطولة ياسر الطوبجى وبسنت صيام ومريم السكرى وريهام سامى ونديم هشام وهدير الشريف، كان لهذا العمل حضور بالغ ووقع آخر على جمهور المهرجان، حيث غرد «ليلتكم سعيدة» خارج سرب أيام قرطاج المسرحية، استقبله الجمهور التونسى بترحاب وحفاوة واشتياق لهذا النوع من المسرح الذى يقدم كوميديا خفيفة الظل راقية أشبه بأعمال الراحل فؤاد المهندس، حرصا من المهرجان على تقديم المزيد من التنوع والابتكار فى أشكال العروض المسرحية المقدمة والتى لا تقتصر على عروض المهرجانات التى تتميز بطابع وشكل خاص ربما لا يشبه المسرح الجماهيري، استضاف المهرجان هذا العمل الجماهيرى متقن الصنع وبدت حالة التعطش من الجمهور التونسى لتلك النوعية من العروض المفتقدة بشكل كبير بين نوعيات المسرح المقدمة بالعالم العربى حتى أن الجمهور أخذ يبتادل إفيهات العمل بعد انتهائه فى نوع من الأنس والمداعبة، العرض مأخوذ عن «مطربة الكورس» لتشيكوف سبق وأن قدم على خشبة المسرح القومى ولعب بطولته محمد على رزق، وفى إطار اختيار مصر ضيف شرف المهرجان يقام اليوم الجمعة حفل فنى لفرقة الموسيقى العربية التابعة لدار الأوبرا المصرية تشارك بها المطربة ريهام عبد الحكيم بحضور الدكتورة إيناس عبد الدايم كما يشارك غدا السبت العرض المسرحى «آه كارميلا» إخراج أشرف على بالمسابقة الرسمية للمهرجان.

مسرح السجون

لم تقتصر عروض المهرجان على التعدد فى أشكال وأنواع الأعمال المسرحية المقدمة من جميع أنحاء العالم، بينما استكمالا لما أسسه أيام قرطاج منذ ثلاث سنوات بفتح أفق آخر ونافذة أخرى للإبداع والعلاج السلوكى والنفسى بالمسرح وممارسة الفن، كانت من أكثر التجارب المسرحية أثرا وإنسانية ونجاح فى الوصول إلى هدفها تجربة تقديم مسرح السجون التى تعتمد على تخصيص محور خاص ومسابقة موازية لهذا النوع من المسرح يشارك فى بطولته وصناعته عدد من دوائر سجن مختلفة، وخلال هذه الدورة شاركت عروض «ثقافوت» السجن المدنى بالمرناقية، «ضياع» السجن المدنى بقفصة، «المتوحشون الطيبون» السجن المدنى بسليانة، «تفرجيعة» السجن المدنى بالسرس، «مرايا» السجن المدنى بقبلي، «غربة» سجن النساء بالمسعدين، «هيستريا سنوت» السجن المدنى الهوارب، «ثلاث حبات» مركز إصلاح الأطفال بسيدى الهاني، «خرف» السجن المدنى برج العامري، «زنزانة» السجن المدنى ببرج الرومى، «أولاد الهامش» السجن المدنى بالمرناق، «مرا ونص» سجن النسا بصفاقس، «ظهر المالح» السجن المدنى بالمهدية، «المانعة» السجن المدنى للنسا بمنوبة.