الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مؤتمر إقليم القناة وسيناء الأدبى... العريش تستعيد حيويتها الثقافية

مؤتمر إقليم القناة وسيناء الأدبى... العريش تستعيد حيويتها الثقافية

أقيم فى الفترة من 12 إلى 15 ديسمبر مؤتمر إقليم القناة وسيناء الأدبى فى مدينة العريش تحت عنوان سيناء وتأصيل الهوية الوطنية، وكان لى شرف حضور هذا المؤتمر فى بقعة من أغلى وأجمل وأهم مدن الوطن، وكان مؤتمرا على قدر كبير من الحيوية والنبض والنشاط والأهمية والجدة والإخلاص بما يتناسب مع أهمية استعادة النشاط الثقافى فى المدينة بعد توقف طال منذ 2012، وقام على المؤتمر عدد من الرجال الوطنيين المخلصين الذين وفروا جميع الإمكانات بداية من وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة ورئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية الشاعر الكبير مسعود شومان ورئيس الإدارة المركزية لإقليم القناة وسيناء الكاتب والمؤرخ العسكرى العميد محمد نبيل ورئيس المؤتمر الشاعر الكبير إبراهيم داود وأمين عام المؤتمر الروائى السيناوى عبد الله السلايمة، وحظى المؤتمر برعاية كبيرة من محافظ شمال سيناء اللواء الدكتور محمد عبدالفضيل شوشة الذى أصر على لقاء المشاركين فى المؤتمر والحديث معهم عن الخطط التنموية فى سيناء وتحدث بمحبة عميقة عن التاريخ الحافل لسيناء فى الحرب وقيمتها وإمكاناتها، كما تحدث عن المستقبل فيها وقد رأى المشاركون ما يتم بأعينهم وشاهدوا العمل والإنجاز فى كثير من المشاريع التنموية بعد مرحلة من محاربة الإرهاب والقضاء عليه وتتبعه ليعم الأمن والأمان شوارع مدينة العريش التى تجول الأدباء فيها وتحركوا مغمورين بالسعادة وبالبهجة التى يعيشها أهل المدينة منطلقين بأمل كبير نحو المستقبل. 



لقد كان هذا المؤتمر مهمًا لعدد من الاعتبارات، فهو يرسخ لانطلاقة جديدة لسيناء شمالا وجنوبا ويضعنا أمام بعض الثمار لمنجزات كثيرة كانت فى الماضى القريب واكتملت فى السنوات القليلة الماضية متمثلة فى جهود الدولة فى محاربة الإرهاب وجهودها العظيمة فى إنشاء هذه الأنفاق التى سهلت وسرعت من حركة النقل وربط سيناء بالوادى ودمجها فى المجتمع المصرى ماديا ومعنويا، ويأتى هذا المؤتمر كذلك رامزا إلى إرادة مصر ورغبتها الأكيدة فى ألا تؤخر المجابهة الفكرية ومعركة الوعى وأن تجعلها متزامنة مع معركة السلاح، وهذا المؤتمر يؤكد على معنى عميق بأن حرب الإرهاب لن تنتهى عند المواجهة المباشرة بل ستستمر إلى المواجهة الفكرية وحرب الأفكار وأن الثقافة ستكون أساس التنمية والبناء، وأن الفن والأدب والإبداع والخطابات الثقافية كافة ستكون هى الأدوات التى يتم الاعتماد عليها فى صياغة العقل الجمعى وتعزيز قيم الانتماء وتعزيز قدرات الإنسان المصرى وإمكاناته الإنتاجية، فالثقافة ليست ترفا أو مجرد أشكال للتسلية والمتعة، بل هى محركات أساسية للحياة وأن الحرب الثقافية والمجابهة الفكرية هى بالأساس تحصين مسبق ضد الأفكار الإرهابية وتحصين مسبق للقيم الوطنية وحماية وتدعيم لها.  ولقد كانت جلسات هذا المؤتمر وتوصياته فى غاية الأهمية والثراء والجدية، ومنها ما أفاض به الشاعر الكبير والباحث المتمكن مسعود شومان عن الشعر فى المناطق البدوية والصحراوية ومناهج جمعه ودراسته وتصنيفه والتركيز على الحفريات الأنثروبولوجية فيه وكذلك لغته وأساطيره وجذوره العميقة الممتدة إلى اللغة المصرية القديمة فى العصور الفرعونية وإشاراته إلى أن كثيرا من أصوات المصرية القديمة مازالت حية فى بعض اللهجات فى مناطق الشلاتين وحلايب وجبل علبة، وقد كانت دراسته التى طرحها فى المؤتمر فى غاية الثراء والحيوية وحافلة بالنصوص المهمة وتعد دراسته مثلا يحتذى به ومنهجا للدراسين فى هذا الحقل، وصحح كثيرا من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالبحث فى التراث الشعبي، وحددا أساسيات لمناهج هذا البحث وأصوله، وكان ملحقا بدراسته عددا من التوصيات المهمة، وكذلك الأمر بالنسبة للدراسة التى طرحها الباحث السيناوى مسعد أبو بدر حول الأسطورة فى شعر سيناء ولقد لمست قدر ثرائها ومنهجيتها ودقتها فى جمع المادة ودرسها وبحثها، وربطها بجذور بعيدة، والجميل أنها كلها تركز على الراهن من الحياة السيناوية وفنونها وبخاصة الشعر بطبيعة الحال، وكذلك الجذور التى ترتبط فى هذه الأساطير بالشعر الجاهلى، وقد كان كثيرا منها دالا على ارتباط الشعر السيناوى بالأسطورة بطابعها الإنسانى العام ودالا على انفتاح الثقافة المصرية بعامة والسيناوية على كل ما هو إنسانى ودالا على قدر ما فيها من التنوع وقدر تمثيلها لوعى الإنسانى هناك وعمقه الحضارى وقدراته التخيلية لأن الأسطورة ليست مجرد حكايات خرافية بل هى بالأساس مجابهة للغموض والغرابة ومحاولة للتفسير والفهم، وهى سبيل من سبل التعليم ودالة على اتساع المخيلة وقد أبرزت دراسة مسعد أبوبدر أن الأسطورة عند الشاعر السيناوى متجددة ولها طاقاتها الإبداعية الجديرة بالبحث.

والأمر لا يختلف كثيرا مع طرح كل من الناقدين عمر شهريار وحاتم مرعي، حيث درس الأول عددا من الأصوات الشعرية الجديدة أو المرتبطة بقصيدة النثر فى إقليم القناة وسيناء، فى حين درس الثانى عددا من الأصوات الشعرية العامية فى الإقليم وقد جاءت الدراستان على قدر كبير من الثراء والجدية وكانت لهما التفاتات مهمة حول الشعر فى الإقليم. وبدا فى رأيى أن فى إقليم القناة وسيناء عددا مهما من شعراء العامية البارزين الذين تصل نصوصهم إلى قلوب المتلقين بسرعة كبيرة ويبدون على قدر كبير من التأثير والفاعلية حتى ليكاد يكون شعر العامية واحدا من أقوى نقاط الثقافة لديهم وأتصور أن التركيز عليه مهم لأنه يغذى خطابات ومنافذ أخرى مثل الأغنية والمسرح مثلا، وقد كان العميد محمد نبيل رئيس الإقليم من الذكاء الكبير بما يجعله يركز على هذه الندوات ويبدو قريبًا جدًا من الشعراء فبدا واضحا أنه على صلة كبيرة بعالمهم وليس منعزلا أو منفصلا عنهم، وكان كثير من الأدباء والمثقفين على قدر كبير من الحيوية والتفاؤل والرغبة فى العمل والإنجاز والعطاء فى ظل هذه الأجواء وتلك الرعاية والاهتمام المباشر، وقد وعدهم بأن يكون لشمال سيناء ومدينة العريش صالون أدبى شهرى له كل الدعم بشكل استثنائى لتعويض ما فات وملاحقة ما يحلمون به من إنجاز ثقافى لمدينة العريش.

وقد ألقيت بدورى ورقة بحثية حول الرواية فى سيناء وقد كنت مشغولا فيها بأنساق ثقافية خاصة بالبيئة السيناوية التى كنت شغوفا بها فدرست تجربة الروائى المبدع عبد الله السلايمة وأنساق الأبوية والبدائية لديه وتوظيفاتها الجمالية فى روايتيه شمال شرق وصديقى ماسود، والتحام هذه الأنساق الثقافية من الأبوية والبدائية بعدد من العناصر العصرية الأخرى مما شكل عددا من المفارقات وأنتج أشكالا من التجديد والتطوير فى السرد الروائى واطلعت على عدد من التجارب السردية الأخرى المهمة مثل رواية مصائر آل حبرون للروائى السعيد صالح وهى رواية تاريخية جيدة تقابل بين نهاية العصر الأندلسى ونهاية الدولة المملوكية، وتقارب المخطوطات والطباعة والجوانب المعرفية فى حياة العرب والمصريين فى هذه العصور، وكذلك قاربت واطلعت على أعمال الروائى المبدع الدكتور رضا صالح وقصص الكاتب على عيسى. وآمل أن أستكمل هذا المشروع فى دراسة الرواية فى سيناء واستجلاء ملامحها. وفى المجمل فإن هذا المؤتمر كان له قدر كبير من النجاح ونرجو أن يكون بداية لأنشطة ثقافية أخرى كثيرة تتسم بالحيوية والالتحام بحياة الناس فى سيناء لأن الأدب بالأساس يغذى النصوص التعليمية ويغذى الدراما والسينما والتليفزيون وغيرها من الخطابات والأنشطة الأخرى وليس مجرد حالة من التسلية، وأرجو من الدولة أن تدعم فرقة الموسيقى العربية بمدينة العريش التى استمعنا لعرض لها، وتدعم كذلك وجود فرقة مسرحية وتعيد السينما ويمكن أن تدعم تشكيل فرقة للدراما الإذاعية تقوم على إعداد بعض الأعمال الدرامية لإذاعة شمال سيناء وتكون ذات محتوى فنى جمالى وتنويرى يأخذ من البيئة والحياة البدوية نماذجه ويؤدى دورًا فى ربط الناس بالخطاب الإعلامى للدولة.