جملة المواقف
أصابنا عصر المعلومات المتسارع بآفة شديدة الخطورة هى آفة «التسرع»، التسرع فى تلقى المعلومات والأخبار والتسرع فى استيعابها وفهمها والأخطر من ذلك كله هو التسرع فى الحكم على الأشخاص والمبادئ ويتم ذلك من خلال تلقى معلومات قليلة تكون فى الغالب مجتزأة من سياق كبير مما يؤدى إلى ترسيخ مفاهيم مغلوطة.
لاحظ كم التفاعل على منشور كبير على شبكات التواصل الاجتماعى مقارنة بكم التفاعل على منشور مكون من كلمات قليلة ويا حبذا لو اقترن بصورة جذابة أو بأسلوب ساخر.
أعرف أن لا وقت فى هذا العصر للجلوس باتزان لقراءة مقال كبير أو رواية أو دراسة ولكن تلك هى خدعة عصر المعلومات الحقيقية، أن تشعر بأنك تعرف الكثير فى موضوعات شتى ولكنها معرفة ربما يكون الجهل أفضل منها فى أحوال عدة.
كيف يمكن أن تختزل دينًا أو نظرية سياسة أو اقتصادية فى عدة كلمات كما كيف يمكنك الحكم عليها أو على الأشخاص من خلال هذا النذر اليسير من المعلومات والتى تتطابق فى أغلبها مع منطق «لا تقربوا الصلاة» بدون أن تكمل الآية.
لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تعرف عن أمر ما من خلال تلك الثقافة السطحية السريعة-ثقافة التيك أواى- فلا هكذا تستقيم الأمور ولا هكذا خلق الله الدنيا وما فيها.
لا بد من التعمق فى الأمور والعودة إلى القراءات المتأنية المتعمقة وهى أمور أعرف أنها قد أصبحت نادرة هذه الأيام بل على العكس فإن العديد من المثقفين قد وقعوا ضحايا لهذا التسرع المقيت.
فى العلاقات الإنسانية لا يجب أن تحكم على أى شخص من خلال موقف واحد فتتهمه بالجهل أو تطعن فى دينه أو توجهاته بل يجب أن تترك لنفسك المجال والوقت أن تحلل العديد من المواقف والأقوال والأفعال التى يقوم بها معك ومع الآخرين قبل أن تحكم عليه حكمًا عادلًا وتقوم بتنفيذ ما تراه مناسبًا من عقوبة أو مكافأة.
أمر مشابه لذلك عندما يتم تكريم مبدع ما فى أى من مجالات الإبداع على أن يكون التكريم على «مجمل الأعمال» وليس عن عمل واحد ربما صنعه من خلال صدفة أو هبة إبداع لن تتكرر والأمثلة على ذلك كثيرة.
جملة المواقف هى التى تساعدك على تقييم الأشخاص تقييمًا سليمًا يجعلك مرتاح الضمير إلى ما وصلت إليه من نتيجة.
