الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عندما يأتى المساء رقميًًا

عندما يأتى المساء رقميًًا

فى رائعة أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ «عندما يأتى المساء» والتى تتعرض لحياة عبد الهادى مع زوجته زينب بعد أن كبرا فى السن وغادر أولادهما المنزل وما تتعرض له حياتهما من عدم استقرار بسبب إحساس عبد الهادى بقرب انتهاء الحياة ومحاولة التمسك بأهدابها من خلال السهر يوميًا مع أصدقاء العمر، بالطبع هذا أدى بزوجته إلى الكثير من المشادات اليومية ومع إحساسها بالملل فإنها تقرر شراء سيارة و تعلم القيادة ثم تقرر الانتقال إلى فيللا وترك المنزل الذى قضيا فيه 40 عامًا ورفض عبد الهادى للانتقال معها ببساطة لأنه قد اعتاد على المنزل القديم الذى وصف الانتقال خارجه كانتقال السمك خارج الماء.



الرواية تحولت إلى فيلم تليفزيونى ممتع وجدير بالمشاهدة خاصة مشاهد سهرات الأصدقاء معًا ،أتذكر مشاهدته منذ زمنٍ طويلٍ وأتذكر كيف أتمنى أن أجلس معهم أو أن أكون أحدهم، كان ذلك قبل عصر الإنترنت والذى اعتقد أنه ينسف القصة والفكرة من الأساس.

فمع انتشار شبكات التواصل الاجتماعى قلت اللقاءات الإنسانية بوجه عام كما قلت متعة ما تبقى منها، نرصد دائمًا كيف يلتقى الأصدقاء ثم بعد خمس دقائق ينفرد كل منهم بهاتفه غارقا فى بحور بعيدة وإن كان متواجدًا بجسده معهم.

شاهدنا أيضا كيف تأثرت العلاقات الزوجية بهذا الأمر بدرجات تأثر مختلفة تبدأ من الانشغال بكل ما هو تافه وصولًا إلى الخيانة والانفصال.

رأينا أيضا كيف ينفرط عقد الأسرة وكيف أنه أصبح لايوجد متوسط عام للثقافة أو لأى قيمة إنسانية أخرى وهو متوسط كان يتم إنتاجه داخل كل أسرة نتيجة التواصل الحقيقى والاجتماع على تبادل تلك القيم فيما بينهم وأصبح لكل فرد منهم قيمه واهتماماته المنفردة مثلما أشار الفنان الراحل نور الشريف فى أحد لقاءاته التى دائمًا ما نسعد بما تحتويه من قيمة وفكر.

زينب العصر الحديث لن تكترث كثيرًا لما يقوم به عبد الهادى بل قد يصل الأمر أحيانا إلى أن تجهل هل هو موجود بالمنزل أم غادره والعكس صحيح و يزيد الطين بلة أن كلا منهما يستطيع بسهولة رسم صورة رقمية Persona مخالفة تمامًا للحقيقة وهو ما يمكن رصده كثيرًا على كافة الأصعدة والأعمار.

والحقيقة أن الوعى والتربية هما الملاذ الحقيقى للخلاص من هذا المصير المزعج وهما فرض عين على كل مستخدم لتلك التقنيات فلا يجب أن نلوم الآخرين أو نلوم المجهول وليبدأ كل منا بنفسه ولا ينتظر هبوط الحل من السماء.