السوسيولوجيا الرقمية
لم يتعرض علم الاجتماع إلى تأثيرات دراماتيكية مثلما يتعرض هذه الأيام وتحديدًا منذ بدء انتشار شبكات التواصل الاجتماعى بصورتها الحالية.
هذا العلم الذى كان محدودًا فى خصائصه طبقًا للجغرافيا والأديان والأعراف والتقاليد وهى التى كانت تختلف أو تتشابه بين كل مجتمع والآخر طبقًا للاختلافات بين كل تلك العناصر أو بعض منها. تغير الأمر كثيرا مع إدمان كافة المجتمعات لتلك الأدوات والتى يراها البعض ستحدث ثورة فى هذا العلم وربما تنتج ما يطلق عليه «المواطن الدولى» International Citizen وهو الذى يتشابه فى خصائص كثيرة مع الثقافة الأكثر سيادة وانتشارا على تلك الشبكات أو يكون نتاج متوسط عام لأكثر الثقافات تأثيرا وانتشارا.
على الجانب الآخر يريد البعض أن التأثير سيكون محدودًا ويستدل على ذلك بأن سلوكيات مستخدمى تلك الشبكات تميل إلى أن أبناء كل بلد أو مجتمع يتحدثون معا ونادرا ما يتعرضون لمستخدمين من مجتمعات أخرى.
وبين هذا وذاك نجد العديد من الأطروحات ومن المخاوف أيضا جراء طغيان مجتمعات بعينها أو بعض من قيمها السائدة على باقى المجتمعات خاصة أن غالبية مستخدمى تلك الأدوات من الأطفال والشباب الذين لم تتح لهم الفرصة كاملة لتشرب ثقافة مجتمعهم ولا الاقتناع بها مثلما كان هو الحال فى الماضى والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة منها على سبيل المثال إهمال الاحتفال بالأعياد والمناسبات المحلية والاهتمام بمناسبات لم تكن محل اهتمام فى السابق - مثال على ذلك ازدياد الاهتمام بيوم الحب Valentine>s day أو عيد الهلع Halloween- وغيرهما الكثير من المناسبات التى ربما يكون لبعضها خلفية دينية لا يعرفها أغلب من يحتفل بها.
أما عن تقبل أو رفض المجتمعات لذلك فهى أمور تتفاوت ولكنها فى جميع الأحوال تحتاج إلى جهد حقيقى من علماء الاجتماع والباحثين لدراسة تلك الظواهر ومحاولة إيجاد حلول ذكية لتلافى ما قد تسببه من طمس الخصائص الاجتماعية التى تميز مجتمع عن الآخر.
الخطورة فى سوسيولوجيا العالم الرقمى أنها ليست فجة ومباشرة بل تتميز بأنها ناعمة و تعمل على مدار مدد زمنية كبيرة وأى محاولة لاستعجال التغيير ستصطدم بالمعتقدات الراسخة مثلما حدث منذ أسابيع قليلة جراء عرض أحد الأعمال الفنية المختلفة وما أحدثه من جدل واسع بالرغم من أنه قد تم عرضه من خلال أحد المنصات الرقمية الخاصة.
