الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بين التنوير والتسليم

بين التنوير والتسليم

لاخلاف على أن مصطلح «التسليم» يعنى الاستقبال والتخزين بدون أى استخدام للعقل على الإطلاق أو لأى أسلوب آخر لاختبار مدى جودة الشيء الذى يتم استلامه وهو ما يجعل تعبير «مسلم به» أكثر تعبيرًا عن التسليم منزوع الإرادة.



أحيانًا نجد شروطًا تكتب فى أوامر التوريد التى تصدرها إدارات المشتريات بالهيئات والمؤسسات والتى يتم إعطاؤها للمورد، هذه العبارة تضع شروطًا لإتمام صفقة الشراء منها سعر المنتج أو الخدمة ومدة التوريد المتوقعة وأيضًا وجود شرط أخير لإعطاء المورد مستحقاته المالية وهى أن تكون «بعد الفحص والاستلام» أى أنه يتم تشكيل لجنة فنية متخصصة لفحص جودة المنتج و تحديد مدى مطابقته للمواصفات الفنية قبل أن يتم الاستلام «مخزنيًا» ومن ثم استكمال باقى الإجراءات المالية.

أمر مشابه لعملية الفحص السابق الإشارة إليها يجب أن نقوم بها جميعًا فى حالة تلقى أفكار أو تفسيرات لما استعصى علينا فهمه من الأمور المختلفة ومنها الأمور الدينية أيضًا.

«التفكير فريضة إسلامية» هو أحد أهم كتب عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد والذى يبين فيه بالبرهان والدليل ضرورة إعمال العقل قبل استلام الأفكار والمعتقدات وبالطبع قبل العمل بها على أية حال.

إلغاء العقل والتسليم غير المشروط للأفكار التى أنتجها السابقون اعتبره إهانة ورفض لنعمة العقل والتفكير التى أنعم الله بها على البشر وميزهم بها على سائر المخلوقات، ولا داعى إلى الدخول فى تفاصيل توضح مدى خطورة هذا التسليم وما أدى إليه من مشكلات وكوارث على مستويات عدة. الإشكالية لدى فى استخدام مصطلح «التنوير» والذى أراه أقرب إلى إعمال العقل السليم - بدون إغفال استفتاء القلب- ويكون ذلك بالطبع مع النصوص المختلف عليها وليس مع النصوص الواضحة المباشرة والصريحة.

أما ما أراه حاليًا وخاصة هذه الأيام من استخدام مصطلح التنوير ووصف البعض بأنهم تنويريون لمجرد أنه فى أحيان كثيرة يطرحون النصوص المباشرة وغير المباشرة للنقاش والمراجعة وهى منطقة واضحة لا تحتاج إلى كل هذا اللبس أو الجدل.

وللأسف الشديد نجد البعض يتعدى مناطق النقاش والمراجعة للنصوص الدينية إلى مناطق للإنكار التام لقدسيتها أو الإنكار التام لوجود الإله، ولو اقتصر الأمر على إنكار ماسبق فقط فإن الأمر يبقي صاحبها فى إطار الآية الكريمة 29 من سورة الكهف التى يشير المولى عز وجل فى جزء منها قائلا «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» ولكن البعض منهم للأسف يدخل فى مناطق الاستهزاء بالمعتقدات الدينية وبكلام الله فى أى من كتبه المقدسة وهو أمر يخرج صاحبه من منطقة التنوير- إن جاز التعبير- أو الإلحاد ويدخله فى منطقة الوقاحة غير المبررة.

تخيل عزيزى القارئ أن يقوم أحدهم بقراءة خطاب قام والدك بكتابته لك ثم يبدأ فى الاستهزاء بما هو مكتوب ويتمادى فينكر علاقتك بوالدك ثم ينكر وجوده أصلا ثم يدعى أنه تنويرى رافض لكل ما هو قديم.

أتمنى أن نسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية مع الالتزام بآداب الحوار والحديث فالوقاحة لن تصل بأى فكرة أو أى علاقة إلا إلى طريق مسدود.