الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ثقافة غائبة

ثقافة غائبة

بإمكانك أن تستمر بالنظر للعالم من ثقب فى جدارك، لكن لا يمكن أن تجبر العالم كله على النظر من خلالها وهذا منطق يقره العقلاء والمثقفون المعتدلون فى اتجاهاتهم، وكما قال الإمام الشافعى: كلامى صواب يحتمل الخطأ وكلامك كخصم لى خطأ يحتمل الصواب، فكل وجهة نظر لها احترامها حتى لو اختلفنا معها، ولكن مقولة أو قاعدة إن لم تكن معى فأنت ضدى، منطق أنانى مرفوض ورأى حاد لا يتقبل الرأى الآخر وهو منطق مرفوض أخلاقيًا وإنسانيًا. 



الحقيقة أن الاختلاف فى الرأى أمر طبيعى ولو شاء ربك لجعلكم أمة واحدة ولكن الاختلاف ضرورة حياتية لتسير الأحداث وتتفاعل مع بعضها والاختلاف فى الرأى نتيجة طبيعية نظرًا لتباين العقول والتوجهات والأفكار والذائقة وزاوية الرؤية.

 والاختلاف فى الرأى ليس عيبًا بل ظاهرة صحية لأنه يعنى أن هناك مجتمعًا حيًا متفاعلًا وليس راكدًا ولكن ما ليس صحيًا ولا صحيحًا أن يتحول خلافنا فى الرأى إلى خصومة أو عداء واتهامات متبادلة. 

فالاختلاف فى الرأى لا يعد انتقاصًا من المختلف معه ولا إهانة له بل لكل ثقافته وعلمه وبيئته التى كونت شخصيته ورأيه الذى يجب أن أحترمه وحتى لو اختلفت معه عليه..

قد أختلف معك لكن ذلك لا يعنى أنك ناقص عنى بالعكس ربما تكون أكثر منى علمًا وأعلى فهمًا وأفصح لسانًا ولكنى أختلف معك وهذا حقى، لكن ما يحدث فى أيامنا هذه أن الخلاف فى الرأى أصبح يفسد للود أى قضية بل ويتحول إلى خصومة وعدائية شديدة بين المختلفين قد تصل إلى حد الشماتة فى موته، وقبل أيام مضت رأينا كيف أن المختلفين مع أحد الزملاء الإعلاميين شمتوا فى وفاته وكالوا له الاتهامات وقالوا ما فيه وما ليس فيه وكذلك عندما توفى  الكاتب السيد القمنى تكرر نفس الموقف المتطرف مع بعض غلاة الفكر من «السلفيين والإخوان»  ونصبوا له محكمة وزادوا فحكموا بأحكام هى من الأحكام التى لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى. 

الخلاف هذه الأيام بدأ يأخذ منحى المغالاة والتطرف والحكم المسبق كأن  لديهم أختام العقاب والغفران وكأن مفاتيح الجنة والنار بيد البعض منهم وقد نصبوا أنفسهم  حاشا لله آلهة تغفر وتعاقب!

التعصب فى الرأى عمومًا منطق سيئ والناس فى أيامنا هذه يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف، صنف يرى إن لم تكن معه  فلا يغضبه أن تكون ضده، وصنف يرى إن لم تكن معه  فأنت ضده وأصحاب هذا الفكر المتطرف يمكن أن نطلق عليهم صفة الحمقى، وصنف يرى إن لم تكن معه فأنت ضد الدين وأيضًا ضد الله وهذا منطق المتطرفين الجهلاء!

وأفضل هذه الأصناف من البشر ذلك الذى إن لم تكن معه فإنه يشكر لك أنك أطلعته على فكر جديد أو مختلف وأبرزت له جانبًا إبداعيًا وهذا المختلف الموافق الشاكر هو المبدع الحقيقى فى النهاية فهو لا يصادر الآراء ويتقبل الاختلاف.