الثلاثاء 24 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تدور أحداثها فى إطار رومانسى بوليسى

رضوى الأسود: النهايات المأساوية للمبدعين ألهمتنى فكرة رواية «خداع واحد ممكن»

«بين العبقرية والجنون شعرة».. أتصور أن هذه المقولة تصلح تلخيصًا لأحد أهم جوانب أحدث روايات الكاتبة رضوى الأسود « خداع واحد ممكن» التى ستصدر قريبًا عن دار الشروق، وقد صدر للكاتبة عدد من الروايات الهامة منها زجزاج، وبالأمس كنت ميتا، و»حفل المئوية وغيرها  «خداع واحد ممكن» هى رواية نفسية فى المقام الأول، إذ تبحث فى العلاقة الوطيدة بين الاضطرابات النفسية والعقلية، والعملية الإبداعية، كما تبحث فى مسألة المرأة، إذ تقدم الرواية بطلتها بشكل يغاير الطبيعة الأنثوية المتعارف عليها، أو بمعنى أدق، خارج قالبها الشرقيّ المعتاد، حتى أنها تلامس بشكل أو بآخر طبيعة الرجل الذى من العادى جدًّا أن يختبر أكثر من قصة حب، فالبطلة تذخر حياتها بثلاثة رجال وثلاثة أنواع من الحب، لكنها تكتشف أن آخر اثنان ما كانا سوى حيلة تحاول بهما تجاوز الأول، لكنها فى النهاية تمامًا تعود لرجلها الأول الذى كان قد لفظها بعد قصة حب ناعمة، يعودا لبعضهما بعد أن تدعسهما تجارب الحياة المؤلمة.



■ حدثينا عن أحدث رواياتك «خداع واحد ممكن» وعن عنوانها الجذاب؟

- تدور الرواية فى إطار رومانسى بوليسى مشوق، كما تجرى أحداثها بين 6 موانئ متوسطية حيث المعالم التاريخية المهمة، فيما يشبه أدب الرحلات.

الأحداث لا تسرى فى خط مستقيم، ولكن هناك تقاطعات للأزمنة، مع استخدام للفلاش باك، والسرد دائري، إذ تنتهى الرواية من حيث بدأت.

تُظهِرُ الأحداث أنه لا شىء حقيقى فى العالم، وأن كل شىء مزيف كالسراب.. كذلك تكشف خبايا عالم النشر والمثقفين والصراعات الدائرة بينهم.

العنوان مأخوذ من مقولة سورين كيركجور: «خداع واحد هو الممكن فى المطلق، ألا وهو خداع النفس».. فكما يقول أفلاطون: «أسوأ الخداع هو خداع الذات»، وكما يقول مايكل نوفاك: «لا حدود معروفة لقدرة الإنسان على خداع نفسه»، تتحدث الرواية عن ذلك الخداع الذى يدمر الإنسان، فيكون الجلاد والضحية فى آن، إذ يتصور أنه يخدع العالم أو من حوله، أو الطرف الآخر، لكنه فى الحقيقة لم يكن يخدع إلا نفسه، ولم يكن يؤذى سواها.

لذا أهديت الرواية إلى «كل من نجح فى مجاهدة نفسه واسترداد ذاته الأصيلة، بادئًا، بكل قوة وثقة، من جديد». لأن من يستفيق من غفلته ويتوقف عن خداع نفسه، هو فى الحقيقة يحيا من جديد، إذ يقدم لنفسه فرصة أخرى للعيش، فرصة أروع من سابقتها، لأنه أخيرًا فهم نفسه التى ظل فهمها عصيًّا عليه.

■ كيف جاءتك الفكرة وكيف اخترت قالبها الروائى؟

- واتتنى الفكرة من قراءة ذلك التاريخ الطويل المترع بمبدعين انتهوا نهايات مأساوية، ومنهم من ارتكب بحق نفسه جرائم تتراوح بين الأذى البدنى والتخلص من الحياة، فبدأت تثيرنى فكرة مدى إرتباط الإبداع بالخلل النفسى والعقلى، خاصة أننى أولى لعلم النفس اهتمامًا خاصًا، وأذكر أنه حين حصلت على الثانوية العامة، كنت أرغب بالالتحاق بكلية الآداب قسم علم نفس، لكن هذا لم يحدث، ودرست فى قسم اللغة الفرنسية، لكن ظل علم النفس هو شغفى الدائم، والذى يتضح جليًّا لمن قرأ رواياتى، وكذلك كتاباتى النقدية.

الصدمة أو الخبرة الأليمة التى تحدث فى سن مبكرة جدًا، والتى من الممكن أن يكون الشخص قد نسيها، هى للأسف ما تتحول لعقدة فى الكبر، وهى ما تُسَيِّرُ حياة الفرد فيما بعد، وتحكم أفعاله وردود أفعاله.

 وفى حياتى العادية أُخضِع من أقابله لتحليلات نفسية، استمتع بممارستها، وخاصة حين يتضح لاحقًا صحة ما توقعته، وحين تتاح لى الفرصة أمارس عمل الطبيب النفسى، فى طرح الأسئلة.. وكلنا - بدرجات متفاوته- نعانى من اعتلال نفسى، فكل فرد منا عُرضة للمرض النفسي، وعرضه لأن نكون ضحاياه، أو أن نُعالج فيتم شفاؤنا منه، والعلاج ليس بالضرورة دوائي، وهذا ما أؤكد عليه فى الرواية.

■ هل الاضطرابات النفسية تخلق الإبداع، وهل من الممكن أن تتسبب تلك الاضطرابات فى خلق طريقة تفكير مميزة ومبدعة؟

- الرواية بالفعل تطرح هذا التساؤل: هل الاضطرابات النفسية تخلق الإبداع؛ أى هل يتسب ذلك الاضطراب بخلق طريقة تفكير مميزة ومبدعه نتيجة لرؤية مغايرة للعالم تخالف السائد والمألوف؟ أم أن تلك الإضطرابات تكون نتيجة للإبداع، بمعنى أن التفكير العميق والمضنى فى معانى الأشياء ومحاولة فهمها وتحليلها هو الذى يتلف - بشكل ما- كيمياء المخ، فيتسبب بالاضطرابات؟ 

لكن ليس بالضرورة أن تقدم الروايات حلولًا أو إجابات.. هى تجعلك تفكر وتُعمِلُ عقلك، وتبحث فى المراجع وجوجل بعد أن تنتهى منها.. وأظن أن هذه هى الفائدة الكبرى التى يجنيها القارىء، إذ لا تكتف الرواية بتقديمها المتعة، بل حرَّضّت عقله على التفكير، والاستزادة من القراءة والبحث.

■ حدثينا عن مشروعك الروائى وخطتك له؟

- مشروعى الحقيقى هو ترك بصمة فى عالم الأدب الذى صار مزدحمًا وصاخبًا للغاية. ليس لى هدف سوى تقديم أدب يحترم عقلية القارئ ويدعوه للتفكُّر، أدب ينير الطريق ويفتح الآفاق، وكتابة تجمع بين الجمالى والتنويرى، فأنا لم أتوقف فقط عند حدود الكتابة الإبداعية، فأنا أمارس الكتابة النقدية والكتابة البحثية، فبالإضافة إلى خمسة روايات منشورة، فقد أنجزت عددًا كبيرًا من المقالات النقدية داخل وخارج مصر، وكتابين فكريين.

ليس هدفى شهرة أو جوائز أو مال، كما أننى أفضل القبوع خارج دائرة الضوء، وأمارس عملى فى صمت وهدوء تام، وكتاباتى النقدية لا أتقاضى عنها أجرًا، وأمارسها بكل شغف وحب، إيمانًا منى بالدور التنويرى الذى أقوم به، والذى تخلى عنه معظم المثقفين.

■ كيف ترين المشهد النقدى الحالى؟

- وهل هناك نقد فى مصر، أو حتى فى الوطن العربى كله؟! ما من ناقد إلا ويكتب عن صديق له إلا ما رحم ربى.. فى الحقيقة أفتخر بأن اكثر من 90% من مقالاتى النقدية لم أكن أعرف كُتَّابها بشكل شخصى، ولم أكن قد قابلتهم ولو لمرة واحدة.. فقط ما يحركنى هو الكتابة الجيدة، الجمالية، الفكرة المبتكرة، اللغة البديعة والأسلوب الذى يحرك دواخلى، البناء المختلف، تلك الكتابة المثيرة للاسئلة والتى تدفعنى لغربلة أفكارى ومشاركة الروائى أسئلته الحائرة.

■ كيف ترين آلية النشر الخاص والحكومى ومشكلاتهما؟

- لم أتعامل مع النشر الحكومى حتى الآن، لكن أستطيع من خلال تجربة أبى (فاضل الأسود) أن أقول أن الكتب المهمة لا يعاد طباعتها ثانية رغم نجاحها، وتُنسى تمامًا، كما أن البيروقراطية تساهم فى تعطيل كتب هامة وقيمة عن الظهور للنور.  

أما عن النشر الخاص، فبوصلته هى ذائقة القراء، وهدفه كُتَّاب الـ «بيست سيلر»، وليس المحتوى والقيمة.

■ هل تضيف الجوائز قيمة غير القيمة المادية للكاتب وكيف ترين مصداقيتها؟

- الجوائز، بخلاف قيمتها المادية، هى مكافأة معنوية للكاتب، تقول له: «أحسنت»، تشعره بأنه قدم شيئًا يستحق، شيئًا مُقَدَّرًا، ذا قيمة.

لكن الجوائز المحلية للأسف الشديد فقدت كل مصداقية؛ فكيف لصحفى أن يُحَكِّمُ فى مسابقة للرواية؟ وكيف لعضو فى لجنة تحكيم، أن يكون مشاركًا بعمل فى مسابقتها؟ ثم نأتى  لمن يحصد الجوائز؛ لقد بات الجميع يعرف مسبقًا من سيفوز بها لأسباب لا تخفى على أحد.

 لقد أصبحت مثل جمعية يحصل عليها من يصيبه الدور.. إن اللجان التى تضع لوائح الجوائز هى من تنتهك شروطها، فهذه رواية طبعت فى دار نشر غير مصرية، لكنها تحصل على جائزة من شروطها أن تكون دار النشر مصرية! وهذا يحصل على جائزة على الرغم من أن موضوع روايته ليس هو الموضوع الذى تُمنَحُ عنه الجائزة! وذلك يحصل على الجائزة نفسها لثلاث مرات متتالية، وهذا حَكَمٌ وفائز فى المسابقة ذاتها! وذاك الفائز تربطه علاقة صداقة مع أحد أعضاء لجنة التحكيم! وهذا فاز بالجائزة لأنه فى عَوَزٍ مادى! ولا عزاء للكتابة الجادة والموهبة الحقيقية. وبنظرة متأنية على مدار السنوات الفائتة ستجد أن الصحفيين هم غالبية من يحصد الجوائز لأسباب معروفة أيضًا.

طبعًا سيقولون أننى لم أحصل على جائزة، ولذلك أقول هذا الكلام.. أعرف الاتهام مسبقًا، ولا أهتم، فالحقيقة موجعة، وما لم أقله أكثر بكثير مما قلته.

■ ماذا عن مشاريعك القادمة؟

- أكتب رواية ديستوبية مستوحاة من الحرب البيولوجية التى نعيشها حاليًا وأتمنى أن أنتهى منها قريبًا لأنها أرهقتنى ذهنيًّا وعصبيًّا لدرجة كبيرة.