أنا تلميذ المعرى ولست حفيدا لشوقى
الشاعر حسن طلب: القصيدة فخ نقع فيه أغلب الأحوال والتراث ليس مقدسًا لأنه صنعة بشرية

خالد بيومى
يعتبر الشاعر حسن طلب من أبرز شعراء جيل السبعينيات المتمرد الذى صاغ القصيدة الجديدة التى كانت حلماً وراية رفعها كل شعراء هذا الجيل، قصيدة بلا مواصفات، لذلك تعددت البيانات الحداثية وأشكال التجريب، وامتلك كل شاعر بيانه الحداثى الخاص، وشعر حسن طلب يتميز بتنوع الأقنعة، وتتيح للذات تبادل المواقف والأدوار مع الآخر، وامتلاك حيوية تشكيل مناطق الثقل والخفة فى النص. وهو أكاديمى يعمل أستاذا للفلسفة فى كلية الآداب جامعة حلوان، وكان للنزعة الفلسفية حضورها القوى فى شعره. من دواوينه الشعرية: وشم على نهدى فتاة، سيرة البنفسج، أزل النار فى أبد النور، زمان الزبرجد، آية جيم، لا نيل إلا النيل، مواقف أبى على وديوان رسائله وبعض أغانيه، حجر الفلاسفة، عاش النشيد، متتالية مصرية،، يكتب الباء.. يقرأ الجسد، إنجيل الثورة وقرآنها، قُربان لإله الحرب. هنا حوار معه:
■ مضى أكثر من أربعين عاماً على انطلاق موهبتك الشعربة.. فكيف تتأملها اليوم؟
هذه الأربعون وقد بُلّغُتها، إذا لم تضع فى حسابك مرحلة الشعر العمودى، فقد بدأت قبل هذه الأعوام الأربعين بكتابة القصيدة العمودية لعدة سنوات أثناء دراستى فى مدرسة رفاعة الطهطاوى الثانوية بمدينة طهطا بصعيد مصر، وعندما جئت إلى القاهرة تواصلت مع الحركة الأدبية، واطلعت على قصائد شعر التفعيلة التى كانت منتشرة فى ذلك الوقت، فتخليت عن كتابة الشعر العمودى الذى شرعت فى كتابته منذ بداية السبعينيات. وكتبت الشعر الحر (شعر الموجة الجديدة)، وجمعت أولى قصائدى فى شعر التفعيلة فى ديوانى الأول (وشم على نهدى فتاة) الذى قدمه الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش عام 1972 وكنت آنذاك مشاركا فى حرب الاستنزاف، على جبهة القتال استعداداً للعبور العظيم.
لكننى شعرت أن الديوان الأول لا يمثلنى تماما أو بمعنى أوضح لا يمثل ما أتمناه لنفسى، ومن ثم توقفت عن إصدار الدواوين لمدة خمسة عشرة عاماً، وكأننى أردت أن أعاقب نفسى على التسرع والعجلة فى نشر قصائدى الأولى والتى وجدت فيها أصداء الآخرين وخاصة رواد الشعر الحر أمثال بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتى، وصلاح عبد الصبور ونازك الملائكة ونزار قبانى، وأحمد عبد المعطى حجازى وغيرهم. وكان هذا الصمت الطويل مفيدا جداً حيث أعقبه ظهور ديوانى الثانى الذى اكتشفت أنه يمثلنى بالفعل ويحمل سمات خاصة بى كما شهد بذلك النقاد وجاء الديوان بعنوان (سيرة البنفسج) واحتفى به الناقد الكبير الراحل شكرى عياد عام 1986 نفس العام الذى صدر فيه الديوان. ثم توالت دواوينى بعد ذلك، ولم يكن هذا التوالى فى الصدور على مستوى الكم فقط، ولكن من الناحية الكيفية أيضاً.. نظرت إلى الديوان على أنه ليس مجرد تراكم لمجموعة من القصائد محكمة اللغة والبناء والأسلوب، ولكن يجب أن تكون هناك وحدة تشمل هذه القصائد. وأظن أن هذه الوحدة قد تحققت فى ديوان (سيرة البنفسج) ثم بعد ذلك فى ديوانى: (زمان الزبرجد)، و(أزل النار فى أبد النور) ثم توقفت بعد ذلك عن نظم الشعر حتى جاءت بداية التسعينيات التى كانت إرهاصاً لمرحلة جديدة فى تطور كتاباتى الشعرية وتجسدت فى ديوان (آية جيم) عام 1992، وقد صودر هذا الديوان عن غير فهم، ثم أُعيدت طباعته منذ سنوات.
والمرحلة التالية ارتبطت بقضايا واقعية ووجودية وفلسفية حيث أصدرت دواوين: (لا نيل إلا النيل )، و(مواقف أبى على وديوان رسائله وبعض أغانيه)، وفى أواخر عصر مبارك ظهرت مجموعة من القصائد التى تحمل طابع التمرد واعترها البعض وكأنها نبوءة للثورة ومنها دواوين : (حجر الفلاسفة)، و(عاش النشيد)، و(متتالية مصرية)، واستمر هذا الاتجاه المشتبك بالواقع فيما كتبت عن شعر الثورة وهو ديوان جاء فى ثلاثة أجزاء بعنوان : ( إنجيل الثورة وقرآنها ) صدر منه الجزء الأول والثانى وأعمل حاليا على الانتهاء من الجزء الثالث.
وكذلك بإمكانك أن تضم إلى هذا الاتجاه الواقعى ديوان (قربان لإله الحرب) الذى صدر حديثاً ويضم القصائد التى كتبتها منذ الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003، وحرب جنوب لبنان عام 2006.
■ قصائدك تحمل طابع المغامرة والاقتحام، ولا سقف لتمردها، وتقاوم الفساد والقبح والقهر.. فهل تحولت القصيدة لديك إلى فخ لاصطياد الأمل والحلم، واصطياد الزمن والوطن، وقبل كل شىء اصطياد الذات؟
القصيدة دائما بمثابة فخ فى كل الأحوال، إما أن تقع فى حبائلها أو تجتاز التجربة بنجاح وتنجو منها، وهذه النجاة مشروطة بأن تكتب قصيدة حقيقية بالفعل.
أتصور الشعر معركة بين ما تريدة وتطمح إليه وبين إمكانياتك وملكتك الشعرية.ولكى يتخلص الشاعر من هذا الفخ لابد أن يكون قاسياً على نفسه، فإذا شرعت فى كتابة قصيدة واكتشفت أنها لا تحقق الجانب الأكبر مما أريد، أمزقها، وكذلك إذا وجدتنى وقعت فى التكرار، فأنا حينئذ أعتبر نفسى قد وقعت فى الفخ، وهذا ما أحاول أن أتحاشاه.
■ تنتمى إلى جيل السبعينيات المتمرد.. وهناك من يرى أن تجربة جيل السبعينيات قد استنفدت أغراضها.. ما رأيك؟
الشعر والفن عموما يحملان طابع التمرد بطبيعتهما، لأنه لا يوجد سقف للحلم، ولا توجد حدود للأمل، ولذلك يجب على الشاعرأن يحتفظ بجرثومة التمرد فى داخله، لأن التمرد ليس مجرد وسيلة لتحقيق هدف أو غاية محددة، ولكنه طبيعة خاصة بالفن.. فكرة الفرض بحد ذاتها تجعلنا نشعر بإنسانيتنا، ونشعر أننا لسنا مجرد رأسمال فى قطيع، ولذلك فلا يمكن للتمرد أن يكون مرحلة مستهلكة أو قابلة للنفاد، لأن التمرد ليس سياسياً فقط، لكنه تمرد عقلى ونفسى ووجودى وعاطفى. وهو محاولة للخروج من كل ما يجعل الإنسان يتكلس، ويجعل المشاعر تتجمد، ويجعل الحياة عادية وتبدو مملة، فإذا كف الإنسان عن التمرد فقد مات فى نظرى.
■ وصف الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى جيل السبعينيات بأنهم أحفاد شوقى، ولا يمكن أن يكونوا شعراء إلا إذا اعترفوا بأنهم أحفاد أحمد شوقى، شوقى الذى سعى البعض لإقصائه فى مقابل اعترافه بأحفاده قائلاً: كيف يمكن أن نعترف بحفيد دون أن نذكر الجد ودون أن ننسبه له.. ما رأيك؟
مع احترامى للشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، لكن لكل منا آراءه، ولديه ما يتفقفيه مع الآخر، وما يختلف فيه أيضا. وأنا لا أظن أننى مجرد حفيد لشوقى، فأجدادى كُثر بداية من أمرىء القيس ومرورا بالمتنبى والمعرى ووصولا للشعر الإنسانى خاصة شيكسبير وجوته.
وأظن أن حجازى لا يقصد المعنى الحرفى لعلاقة النسب، ولكنها مجرد مجاز يدل على تواصل الأجيال وفى هذه الحالة لا خلاف معه.
■ الكثير من الشعراء تطرقوا لموضوع التراث ومقاطعته أو متابعة هذا التراث.. أنت كشاعر مع أى نظرية تميل؟
لا أريد أن أضع التراث كله فى سلة واحدة، ولكننى أنظر إلى التراث على أنه خليط متنوع من الاتجاهات والرؤى والأفكار، بعضها كان صالحا فى زمنه فقط، فلا ألتفت إليه. وبعضها الآخر يصلح لمخاطبة الإنسان فى كل زمان ومكان.. فهذا هو تراثى الذى أتشبث به، فالتراث ليس مقدسا كله لأنه اجتهاد بشرى ولدينا العقل الذى يمكننا من اختيار ما يناسب عصرنا وأنا عندما أتعامل مع التراث أستلهمه فقط ولكن لا أحاكيه.