الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اللبن المسموم... أولًا: اللبن

اللبن المسموم... أولًا: اللبن

من شاهد مسرحية «جوليو ورومييت» للفنانين الراحلين سمير غانم وجورج سيدهم وبطولة الفنانة بوسى يعرف أن قصة الحب بين حسن وعزيزة واجهت صعوبات عدة حالت دون زواجهما وهو ما دفعهما إلى تقمص شخصيتى روميو وجولييت قبل أن يتجها إلى أحد فنادق الإسكندرية لقضاء ليلتهما الأخيرة قبل الانتحار بتناول السم.



بالطبع المسرحية كوميدية وأتذكر مشهدا بين الحبيبين يتناقشان فيه عن الأسلوب الأنسب للانتحار وهنا اقترح حسن أن ينتحرا من خلال وضع السم فى أكواب من اللبن ثم يقومان بتناوله، عقب حسن على تلك الخطة قائلا لعزيزة :«بذمتك مش كدة أفيد؟».

للأسف الشديد فإن تلك المزحة المسرحية تحولت إلى حقيقة نمارسها ونتجرعها يوميا بنسب مختلفة ولكنها فى ازدياد مستمر، والمقصود هنا هو الانخراط المحموم فى شبكات التواصل الاجتماعى والتفاعل مع محتواها المعروض أمامنا.

والحقيقة أن عبارة «المعروض أمامنا» فى الفقرة السابقة هى عبارة مقصودة وليست من باب السرد الزائد لتجميل شكل العبارات بعبارات أخرى لاتضيف للمعنى أى جديد، وفى جميع الأحوال قبل أن نستطرد فى الحديث عن شبكات التواصل الاجتماعى دعونا نستعرض أشكال التواصل الاجتماعى التقليدية وما أتاحته لنا وما حرمتنا منه أيضا.

فى الماضى الجميل كانت تتفتح أعين الطفل على أسرته الصغيرة ثم الكبيرة أصدقاء الأب والأم والأخوة والأخوات ثم ينتقل إلى المدرسة والشارع والنادى ودار العبادة وبالطبع يُكون صداقات فى المدرسة والحى وباقى الأماكن السابق الإشارة إليها، أما عن مصادر المعرفة بجانب المدرسة فكان نصائح الكبار والقراءة والإذاعة والتلفاز والندوات والمؤتمرات، الحديث مع الغرباء كان نادرا وفى حدود ضيقة جدا وتبادل الأفكار والآراء مع كل ما سبق كان فى أطر محددة لا يحيد عنها إلا نادرا، كانت الحياة أبطأ وكانت شهوات الحديث والاستعراض والبحث عن الثناء والتسلية وحتى حب الاستطلاع والتجسس والتنصت من الشهوات قليلة الإلحاح وقليلة القنوات لتصريفها هذا بالإضافة إلى أن نصائح الأهل المستمرة وتوجيهاتهم لكبح تلك الشهوات ما نزال نتذكرها حتى الآن، مثل ألا نتحدث كثيرا ولا نرفع صوتنا وألا نتحدث فى وجود من هم أكبر منا سنا إلا قليلا وأن يكون الإنصات هو الأصل وألا نستعرض ما لدينا من ملابس أو ألعاب أمام الجميع بلا تمييز فربما يكون أحد أصدقائنا من الأطفال محروما، ولا ننتظر الثناء والشكر لكى نقوم بفعل الخير أو لفعل ما هو مفيد لنا ولمستقبلنا إلا قليلا، أى أننا لا نرفض الثناء ولكن لا يجب أن نسعى إليه، أما حب الاستطلاع والتنصت والنميمة فكانت من المحرمات تماما.

هذا بالإضافة إلى النصائح الإيجابية المرتبطة بالاهتمام بالاستذكار والدروس وصحة الجسم والتغذية والنوم مبكرا والقراءة والعبادات وغيرها من النصائح وصولا إلى نصيحة الابتعاد عن شاشة التلفاز لكى لا يضر أنظارنا وألا نشاهده كثيرا لكى لا نصاب بالتخلف العقلى.

ثم جاء عصر شبكات التواصل الاجتماعى.

غدًا نكمل