اللبن المسموم.. ثانيًا: السم

شبكات التواصل الاجتماعى الحالية لا تعمل بالحيادية التى يؤمن أغلب المستخدمين بوجودها على الإطلاق، دعونا نأخذ مثالا من العالم الواقعى لتوضيح الفكرة فعندما تكون جالسا إلى عشرة من أصدقائك وتقوم باتحدث إليهم فإنك تتوقع أن يصل ما تقوله إليهم جميعا ولا تتوقع أى شىء خلاف هذا إلا ردود أفعالهم حيال ما قلته لهم، أمر آخر مرتبط بالعكس أنه عندما يقوم كل فرد من أصدقائك العشرة بالحديث فإن لكل شخص منهم موضوعات تهمه وأحداث يمر بها وتتوقع أن يتحدثون إليك عن تلك الأمور بصورة متوازنة لا يحكمها إلا حالتهم النفسية ومدى تقديرهم لك أو اعتبارهم لدرجة قربهم منك أو بعدهم ويمكن أن يضاف إلى ذلك حذرهم نتيجة أن باقى الأصدقاء مازالوا جالسين فى نفس المكان وسيسمعون مايقولون.

أما داخل شبكات التواصل الاجتماعى فالأمر يختلف بصورة كبيرة فلا يهم أن يكون صديقك متصلًا لكى تحدثه حيث يمكنك ترك رسالة له على الخاص Inbox أو وضعها على صفحتك أو صفحته مع عمل إشارة إلى Tag لينتبه لها لاحقًا، تعرف أيضا أن باقى الأصدقاء المشتركين سيتمكنون من رؤية تلك الرسالة وليس هذا فحسب فهؤلاء الأصدقاء المشتركين ربما هم كذلك بتعريف شبكات التواصل الاجتماعى للصداقة وهو يختلف عن تعريف الصداقة فى العالم الطبيعى، يكفى أن يرسل لك أى شخص طلب صداقة Friend Request ويكفى أن تستجيب إلى ذلك فيتم تعريفه على أنه صديق لك، ليس هذا فحسب بل حتى فى حالة تجاهلك لطلب الصداقة فإنه يستمر قادرا على رؤية ما تقول وما تضعه من محتوى على صفحتك مادمت قد سمحت لهذا المحتوى بأن يكون عام Public والأكثر خطورة من ذلك أن هذا الصديق المزعوم لا تشعر تجاهه بنفس شعورك عند مقابلة الغرباء فى عصر ما قبل شبكات التواصل الاجتماعى كما أنك قد تصل إلى أن لا تعرف هل هو رجل أم امرأة، كبير السن أم صغيرا، وما هو مستواه التعليمى، وما هى البيئة المنتمى إليها، بل والأخطر أنك لن تعرف هل هذا إنسان طبيعى أم أحد برامج الذكاء الاصطناعى يتحدث إليك.

أتاحت أيضا شبكات التواصل الاجتماعى لشهوات حب الظهور والفخر والاستعراض والبوح والشكوى والنميمة وحب الاستطلاع وتتبع العورات من أن تنطلق بلا حدود وتتم تغذيتها من خلال علامات الإعجاب التى تحصل عليها لكل ما تقوم بنشره وهى كالماء المالح لا يزيد شاربه إلا عطشا وصولإا إلى ظهور بعض الاضطرابات والأمراض النفسية المرتبطة بالولع بالشهرة وزيادة أعداد الأصدقاء والمتابعين وعلامات الإعجاب وعدد مرات إعادة نشر ما قمت بنشره من قبل.

غدًا نكمل