الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 91

لغة الجينات 91

ما فيش فى الدنيا أجمل من أن تكون بطل نفسك، تهزم انكسار روحك وعجزك، تعيش حياتك بشجاعة، فالجبناء عجزة، أصحاب جينات خبيثة لئيمة تحركهم مصالحهم.



«الجبناء» يعشقون أنصاف الحلول، إمساك العصا من المنتصف، يخافون من التجربة، من المستقبل، لايمنحون أنفسهم ولا أى شخص  فرصة التغيير،التعبيرعن رأيه، أن يعيش حياته بحرية كما يريدها هو لا كما خططوا هم له.

“الجبناء” فى الظاهر حكماء يختارون الصمت والصبر على كل شىء.. وفى الباطن أذلاء، قساة القلوب يخافون من التجارب التى قد تحييهم وحتى إذا لم تحيهم فهى لن تميتهم، يتجنبون الأشخاص الأقوياء.. يتجنبون الاعتذار فهم لايخطئون، لايأتيهم الباطل.

“الجبان” ضعيف الشخصية لا يتجرأ على مواجهة الحقيقة، يلوم الجميع على كل وأى شىء آخر غير نفسه، إذا ارتكب خطأ فيجب أن يكون خطأ شخص آخر وليس خطأه أبدًا، لا يتجرأ أبدًا على مواجهة الحقيقة. يتباهى  بحكايات وانتصارات وهمية، يتلاعب بالكلمات ويختلق الأعذار،نموذج حى لفلاح بوليفيا الذى أبلغ عن تشى جيفارا فقبضوا عليه وأعدموه، وعندما سأله الناس لماذا أبلغت عن رجل جاء يدافع عن الفقراء ويحلم لهم بحياة أفضل أجاب: كانت حروبه مع العدو تخيف أغنامى!!

“الجُبناء” لن يدافعوا عنك ولن يساندوك حتى لو دفعت حياتك ثمنًا لحريتهم، محمد كريم بعد مقاومة الاحتلال الفرنسى وصموده أمام جيش نابليون، تخلى عنه الجُبناء واتهموه بخراب الإسكندرية.!

فبعد مقاومة “محمد كريم” للحملة الفرنسية بقيادة نابليون. تم القبض عليه  والحكم بإعدامه  إلا أن نابليون أرسل إليه وأحضره وقال له: يؤسفنى أن أعدم رجلا دافع عن بلاده بشجاعة وجرأة لامثيل لها،  ولا أريد أن يذكرنى التاريخ بأننى أعدم أبطالًا يدافعون عن أوطانهم،لذلك عفوت عنك مقابل عشرة آلاف قطعة من الذهب تعويضًا.

“محمد كريم” أجاب: ليس معى ما يكفى من المال ولكن لى دين عند التجار بأكثر من مائة ألف قطعة من الذهب، فقال له نابليون سأسمح لك بمهلة لتحصيل أموالك.

صباح اليوم التالى ظهر محمد كريم فى السوق مقيدًا بالأغلال محاطًا بجنود نابليون.. ذهب إلى الجُبناء الذى دافع عنهم وسيدفع حياته من أجلهم.. ذهب وكله أمل  فيمن ضحى من أجلهم من أبناء وطنه.

“الجُبناء” صدموا محمد كريم، فضلوا الطغيان والاحتلال على بحر الحرية الهادر، تنكروا جميعًا له، لم يستجب تاجر واحد ويسدد ديونه للرجل، وجدوها فرصة لنيل رضا بونابرت، وفرصة أعظم لسرقة حق الرجل فى ديونه، ولم يكتفوا بذلك اتهموا محمد كريم بأنه كان سببًا فى خراب بيوتهم ودمار الإسكندرية عاقبوه لأنه دافع عنهم.

وقف الرجل صامتًا فى السوق لا يدرى ماذا يفعل شريط حياته يمُر أمام عينيه سريعًا من يوم مولده فى حى الأنفوشى بالإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر، نشأته  يتيمًا، وكفاحه وإصراره على أن يغير حياته للأفضل،  شجاعته فى خوض كل التجارب من أجل غد مختلف له ولأهل بلده الإسكندرية.

تذكر محمد كريم كيف بدأ فى أول حياته بمنصب صغير ثم أصبح رئيسًا للديوان والجمرك بمنطقة الثغر بالإسكندرية، ثم حاكمًا للمدينة..رفضه تسليم الإسكندرية لنابليون بونابرت قائد جيش الحملة الفرنسية، ومواجهة الجيش الفرنسى ببسالة وشجاعة ومعه شجعان الإسكندرية الأحرار، قيادته للمقاومة من شارع لشارع ومن حى لحى،  كيف أذاق الفرنسيين طعم الخوف، كيف علمهم أن فى مصر شجعان أحرار لا يرضون بالاحتلال والهزيمة ولايخافون الموت فى سبيل الحرية. وقام بقيادة المقاومة الشعبية المصرية ضد الفرنسيين.

تذكر محمد كريم كيف واجه الأسطول الفرنسى عند وصوله الإسكندرية، مع الصيادين والعمال، أول يوليو 1798 ولم يكن عدد سكان المدينة وقتها  يزيد على ثمانية آلاف نسمة ولم تكن بها حامية تكفى لصد الفرنسيين.. كيف استعد مع الأهالى  للدفاع عن الإسكندرية، وظل يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين و يقود المعركة بشرف وشجاعة نادرة،  اعتصامه  بقلعة قايتباى ومعه الأحرار من أهالى الإسكندرية  حتى فرغت ذخيرته فتوقف عن القتال ولم يكن هنالك مفر من التسليم، وسلم المدينة للفرنسيين وتم أسره هو ومن معه، ودخل نابليون المدينة وكان أول من سأل عليه من قاد هذه المقاومة الشرسة بلا اسلحة تقريبًا، وأبدى إعجابه بشجاعة محمد كريم فأطلق سراحه وأبقاه حاكمًا للإسكندرية ثم اتجه نابليون إلى القاهرة وعين كليبر حاكمًا عسكريًا على الإسكندرية.

وقف محمد كريم يتذكر كيف واصل الدعوة إلى المواجهة  والثورة على الاحتلال، وكيف سانده البسطاء من أهالى المدينة حتى أمر كليبر باعتقاله فى 20 يوليو 1798 وأرسله إلى أبو قير حيث كان الأسطول الفرنسى راسيًا، ثم أرسل إلى رشيد ومنها إلى القاهرة على سفينة أقلعت به فى النيل من رشيد يوم 4 أغسطس ووصلت إلى القاهرة يوم 12 أغسطس ووجهت إليه تهم التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية.

كيف وقف ومعه شجعان بسطاء عارية صدورهم أمام أسلحة حديثة لم يروها من قبل، لم يستسلم حتى عندما دمرت المدافع حصون الإسكندرية

عاد الرجل  إلى نابليون  مكسورًا  مهمومًا خذله الجبناء الأثرياء ولم يجد الشجعان الأحرار معهم مايدفعونه لإنقاذ رقبة الرجل الذى فدى المدينة بحياته ولم يهادن أو يبحث عن مصالحه الشخصية ويواصل مساندة الفرنسيين فى مقابل منصب أو جاه.

خذله جُبناء يمسكون العصا من المنتصف ويبحثون عن سيد يكونون له عبيدًا بتبريرات واهية من نوعية الاستقرار والهدوء والصالح العام.

قال له نابليون ليس أمامى إلا إعدامك..ليس لأنك قاومتنا وقتلت جنودنا وحاربتنا بشرف ولكن لأن أناسًا خذلوك وانشغلوا بتجارتهم وأموالهم عن حرية الأوطان.

اعلم أن الإنسان الجبان يفضل هدوء الطغيان على بحر الحرية الهادر... واعلم أن نباح الكلب ليس دليل شجاعة بل خوف.. تعلم ألا تخاف من صوت الرصاص.. فالرصاصة التى تقتلك لن تسمع صوتها.