الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
معالجات نفسية - الثناء

معالجات نفسية - الثناء

من منا لا يرغب فى أن يكون محبوبا من الآخرين وأن يستمع منهم إلى كلمات الثناء والمدح على ما يقوله وما يفعله؟، الإجابة: لا احد، ببساطة لأن النفس البشرية مجبولة على هذا الاحتياج وراغبة فى هذا الشعور فهو يشعرها بقيمتها وبقيمة ما تفعله من خلال تلك الكلمات التى تعتبرها إشارة ومقياس لتلك الأعمال.



حتى الآن يبدو الأمر عاديا ولا يوجد به أى خلل فهل من المطلوب مثلا أن تقوم بعمل تحسبه جيدا ثم تجد من حولك ينهالون عليك بالسباب والتقريع؟، بالطبع لا أحد يتوقع ذلك أو يرغب فيه.

منذ سنوات عدة استمعت إلى حديث شريف عن أنَّ رجُلًا مدَح رجُلًا عندَ ابنِ عمرَ فجعَل ابنُ عمرَ يرفَعُ التُّرابَ نحوَه وقال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إذا رأَيْتُم المدَّاحينَ فاحثُوا فى وجوهِهم التُّراب)، والحقيقة لم أستطع فهم الهدف أو الغاية فى حينه ولكن مع مرور السنوات والمواقف وجدت أن هذا الأمر فى غاية الأهمية والخطورة.

تأتى الخطورة من أمرين أساسيين أولهما ان كان المدح والثناء فى موضعهما فإنهما بالرغم من سلامتهما إلا أنهما يصيبان المخاطب ببعض الغرور والاستعلاء، بالطبع لا يتم ذلك من أول مرة ولكن تراكم المدح والثناء يحيلان صاحبهما إلى شخص متعال مغرور وجميعنا يعرف أن الغرور هو بداية النهاية، وهذا يتم على ثلاثة مراحل أولاها أن هذا المدح يطمئن صاحبه إلى أن فعله مقدر ثم ينتقل بعد ذلك إلى أن تزيد ثقته فى نفسه ثم ما يلبث أن يترك مربع الثقة إلى مربع الغرور.

الأمر الثانى الخطير يظهر فى حالة أن المدح ليس فى محله، كأن يقوم شخص ما بعمل تافه أو ضار أو اخرق ثم يجد من يمدحه ويثنى عليه- ويكون عادة من المنافقين- فيشعر الشخص بأنه على صواب وهذا بدلا من أن يجد من يسدى إليه نصيحة خالصة، بالطبع لا يوجد داعى لتوضيح لماذا يثنى البعض على أفعال أو أقوال غير مناسبة لأن الأمر ببساطة يرتبط باحتياجهم إلى أن يحبهم هذا الشخص ويقربهم إليه بغية الحصول على مكتسبات أخرى يمكنه منحهم اياه.

اما موضع إلقاء التراب فى وجه المداحين فأراه أمرا لا يمكن تطبيقه حاليا ولكن يمكن الاستعاضة عن التراب بعدم اظهار أى ارتياح أو سعادة لدى الاستماع إلى المدح، بل يمكن اظهار بعض الامتعاض، يمكن أيضا التفكير فى سبب هذا المدح وما هو الغرض الأساسى من ورائه وكذا أيضا مقارنة اسلوبهم مع الآخرين الذين يقومون فأفعال مماثلة أو أقل أهمية، كما يمكن أيضا التفكير فى ردة فعلهم هذه إن لم يكن القائم بالفعل ذا منصب أو قادرا على تقديم أى فائدة لهم.

أرى أن حديثا آخر متواتر يقول «لا يشكُرُ اللَّهَ مَن لا يَشكرُ النَّاسَ» يمكن أن يجعل الصورة مكتملة، فيكفى ان يستمع صاحب الفعل إلى كلمات شكر مع دعاء بالتوفيق واخلاص العمل لوجه الله تعالى بدلا من التغزل فى قدراته الخارقة بتلك الصورة الصارخة، وهذا الشكر سيحقق للنفس بعض من الرضا والارتياح ولكن بالطبع لن يذهب بها إلى مناطق الغرور المذمومة، عافانا الله وإياكم من الغرور ومن المنافقين.