
هند سلامة
ملامح.. عبدالمنعم رياض.. الممثل الخلاق!
هناك ممثل ملتزم؛ وممثل مجتهد؛ وآخر مبدع خلاق.. ينتمى الفنان عبد المنعم رياض إلى النوع الأخير من التصنيف؛ ممثل لم يكتف بالاجتهاد لتقديم الشخصية على أكمل وجه أو الالتزام بتعليمات المخرج وخيال المؤلف؛ بينما يصنع لنفسه وللشخصية خيالًا آخر؛ يضع لها أسسًا وقصة وتاريخًا؛ ينسج حولها ما لم يكتبه المؤلف أو يطرأ على خيال المخرج؛ يخلق تفاصيلها الخاصة النابعة من حكايتها التى رويت داخله وحده؛ يكمل ما انتقص وخفى وراء ستار الدراما؛ ينشئ لها خلقًا دراميًا جديدًا؛ يعيش فى خياله معها حياة أخرى غير ملحوظة متوارية بين التفاصيل والسطور.
نجح العرض المسرحى “أفراح القبة” الذى قدم على خشبة مسرح الشباب العائم الصغير طوال ثلاث سنوات متتالية لما شهده من إقبال جماهيرى كبير صنع منه حالة مسرحية استثنائية؛ كان من بين أهم عوامل نجاح هذا العرض؛ احتوائه على عدد من الموهوبين ونجوم المسرح جملة واحدة؛ على رأسهم الفنان عبدالمنعم رياض الذى قدم شخصية “سرحان الهلالى” فى ثوب آخر وبرؤية أخرى غير التى كتبها نجيب محفوظ بالرواية؛ جزء من إبداع الشخصية يعود لإعداد المخرج محمد يوسف المنصور؛ والنصف الآخر من إبداع “عبد المنعم رياض” الذى شحن وعيه بتفاصيل نشأتها ووصولها إلى هذه الحالة من الشر “الذى يمنطقه صاحبه”.. على حد قوله عنها؛ رسخ فى خياله أن هذه الشخصية مشتركة بشكل أو بآخر مع عقدة كرم يونس من أمه “زبيدة”؛ لكنه تفوق عليه بنشأته داخل قصر كبير لأحد البشوات ربما ينتمى نسبه إليه وهو لا يعلم لأن أمه أخفت عليه هذه القصة؛ لكنها خدمت طويلًا بهذا القصر وكانت تحت طوع الباشا ورعايته؛ اكتسب الهلالى من هذه النشأة هالة منحته صفة الرجل الأنيق فى إيماءاته وتصرفاته وسلوكه؛ المنديل الذى يلازمه ليمسح يديه بعد مصافحة أى شخص؛ ثم نظرات استعلائه واحتقاره لمن حوله؛ شعوره بضرورة السيطرة وفرض سلطانه على الجميع ولو معنويا؛ يخضع فريسته إلى حرب نفسية لا نهاية لها؛ الجميع مثل عرائس الماريونت يحركهم كيف يشاء.
تغذى وعى عبدالمنعم رياض على تلك القصة المفتعلة عن نشأة سرحان الهلالي؛ الشخصية المعقدة دراميا القادمة من عالم نجيب محفوظ مجردة من الخلفية والتفاصيل؛ مما منح رياض المساحة ليضع لها خيالًا اكتمل داخله؛ فأصبح لا إراديًا يتعامل بكل هذه الصفات المكتسبة من بيئة هذه الشخصية التى نسجها فى وعيه الخاص دون أن يذكرها؛ لكنها تبقى ضمنيًا فى أدائه؛ وبالتالى يعيش سرحان الهلالى فى عالم غامض بعقله اللاوعى؛ بينما يظل رياض واعيًا فى كل لحظة باللاوعى الكامن داخل هذا الشخص العجيب؛ بيئة راقية راقبها وتمنى لو يحيا داخلها؛ فأدعى انتمائه لها وأصبح هذا الرجل صاحب المسرح والسلطان الكبير على الجميع؛ كما فرض الهلالى سلطانه على العاملين بمسرحه؛ فرض كذلك رياض سلطانه كممثل له حضور وكاريزما خاصة على الجمهور؛ عندما تلقاه فى لقاءات عابرة لا يمكن أن تتصوره؛ أن هو نفسه الرجل الذى يتضخم حجمًا وطولًا وأداء على خشبة المسرح؛ وكأنه تبدل وأصبح إنسانًا آخر له هيئة بدنية غير متطابقة مع الواقع؛ كأنك تشاهده بتقنية الـ3 دى؛ وفى كل إعادة للعرض تتجدد دماء الشخصية ويزداد الهلالى روعة وبهاء على يديه!
يجمعه شبه بالفنان الراحل عبد المنعم إبراهيم حتى ظن البعض أنه ابنه أو حفيده؛ تتكرر الملابسات التى تؤكد هذه القرابة الزائفة التى لا يملك منها رياض سوى اقتراب ملامحه من الفنان الراحل؛ لكنه ما زال يتعرض للمزيد من المواقف الطريفة والحب والترحاب بسبب هذا الشبه الكبير؛ كان من بينها يوم عجلته بالذهاب لأحد المستشفيات حيث كانت زوجته على وشك إنجاب مولوده الأول؛ استقبله أحد العاملين بجراج المستشفى بترحاب كبير؛ وأصرأن يضع سيارته فى مكان خطأ, قال الرجل.. “ده انت ابن الغالى الله يرحم والدك كان خيره علينا كثير”!.. فى دهشة وتعجب سأله رياض.. من تقصد بوالدى؟!.. قال.. “الفنان الراحل عبدالمنعم إبراهيم”؛ فسأله رياض.. “هل يزعجك إذا أكدت لك أننى لست ابنه أو حفيده”.. رد الرجل بأسى “آه يزعلني..طالما ربنا اداك حاجة منه يبقى انت تشبه له وفيك حاجة منه ما ترفضهاش..”!!
أقبل رياض على المسرح منذ نعومة أظافره؛ كان مولعًا بمشاهدة العروض المسرحية والسهر أمامها..”كنت أسيرًا للفن”.. حتى ولو عنفه والداه بسبب تعطيله عن دراسته؛ حاول التمثيل فى مسرح كلية الحقوق جامعة بنى سويف؛ علم والده وحاول منعه بشتى الطرق لكنه لم يفلح؛ حيث التحق بمسرح قصر ثقافة الفيوم مسقط رأسه وتتلمذ على يد الراحل صلاح حامد؛ علمه القراءة وكيفية الاختيار؛ يذكر عنه أنه كان أستاذًا عظيمًا طلب منه لعب “بولونيوس” فى مسرحية هاملت؛ وعندما اندهش رياض وعاجله بالسؤال “من هاملت”.. أجلسه فى المسرح عاما كاملا للمشاهدة والقراءة والاطلاع, ثم سمح له بالصعود على الخشبة بعد أن علمه من يكون “هاملت”!