الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أديله قلمين وامشى

أديله قلمين وامشى

فى إحدى السنوات الأخيرة من عُمر النجم العالمى عمر الشريف والتى ظهر فيها شديد العصبية أثناء إجراء الحوار مع إحدى المذيعات التى حاولت بالطبع امتصاص هذا الغضب وتلك العصبية، فى نهاية اللقاء سألته عن السبب فجاء رده كالآتى “أنا ما كونتش مودى وأنا صغير، أنا بقيت مودى من 3 أو 4 سنين مع السن، الناس ما بتتصورش قد إيه الواحد صبره بيقل كل ما يكبر فى السن، كان دايما الواحد يفكر أن لما يكبر فى السن حيبقى هادئ، بالعكس، لأن الوقت بيقل، الصبر ده عايز وقت، يعنى اللى عنده صبر ده عنده وقت كتير يقدر يستنى، لكن اللى يكبر فى السن معندوش وقت كفاية إنه يسمع كلام فاضى، يعنى أنا لما أضيع وقتى حد يكلمنى كلام فاضى بتنرفز،ببقى عايز أقوم أديله قلمين وامشى”.



بالطبع تلك الحالة العصبية التى ظهر بها النجم الكبير بالإضافة إلى أنها أحد أعراض كبر السن فإنها أحد مقدمات مرض الزهايمر اللعين، وبعيدا عن هذا الموقف فإن ما قاله النجم الكبير من عدم استعداده للاستماع إلى “كلام فاضى طويل مفيهوش أى معنى” هو أمر فى غاية الأهمية، فنحن حاليا نطالع كل يوم الكثير من هذا الكلام “الفاضى” فى الكثير من وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعى وفى اجتماعات العمل والجلسات الخاصة أيضا.

وفى تقديرى فإن أسباب انتشار هذا الكلام “الفاضى” كثيرة ومتعددة منها أننا نتكلم أكثر مما ننصت أو نقرأ، كما أن البعض لا يمسك من ناصية اللغة-العربية أو العامية- على الإطلاق، فلا يستطيع العثور على الكلمات المعبرة عما يحاول أن يقوله-هذا إذا افترضنا إن ده ما يقوله أصلا-كما أن ترتيب الحوار والقدرة على صياغة الأفكار بصورة شيقة ومتسلسلة غائب عن الكثيرين.

البعض الآخر يرى ويعتقد أنه كلما تحدث كثيرا كلما أمكن وصفه بأنه شخص عميق وغزير العلم وأن الكلام القليل المختصر يدل على العكس، وللأسف الشديد فإن تلك الانطباعات الخاطئة قد انتقلت من المتحدث إلى المتلقى الذى لا يعجب كثيرا بالشخص قليل الكلام مقارنة بالشخص المتحدث المتكلم بغض النظر عن مدى أهمية ما يقول أو عمق معرفته وإلمامه بالحديث.

تلك الإشكالية أشار إليها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الندوة التثقيفية الـ21 للقوات المسلحة فى أكتوبر 2019 قائلا: “بالنسبة للكلام بتاع الإعلام.. أنا كنت مهتم بمصر دى من وأنا صغير أوى أوى وقارى أوى عنها.. لما بقعد مع حد بيتكلم معايا إن مكانش الكلام مليان ومستفيد منه أنت بتضيع وقتك ووقتى”.

إضاعة الوقت تلك  نتابعها كثيرا عبر الشاشات أو عبر المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى عندما تتم استضافة البعض للحديث عن موضوع معين وهم أبعد الناس عن المعرفة به أو القدرة على صياغة الأفكار أيضا، المشكلة الأخرى أن المذيع أو المحاور لا يكترث كثيرا بما يقال قدر اهتمامه بالإعداد للسؤال التالى والتأكد من أنه يملأ الوقت المخصص لبرنامجه بالكثير من الضيوف والكثير والكثير من الكلام.

القضية الأخطر فى هذا الأمر أن الأجيال الجديدة تتعلم من هذا المعروض وهو ما ينتج لنا أجيالًا جديدة تستحق “قلمين وشلوت” أيضا.