الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تطهير المحتوى الرقمى 2-2

تطهير المحتوى الرقمى 2-2

أصبحت محددات نشر المحتوى غير اللائق كثيرة ومتعددة وبالرغم من بعض التجاوزات أو الكيل بأكثر من مكيال إلا أنها بالفعل تحمى المتلقى من الكثير من الفظائع.



يتم ذلك إما بصورة آلية من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى لتوقيف المحتوى غير المناسب والذى قد يتضمن انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية أو انتهاكات أخرى مرتبطة بخطاب العنف والكراهية والتنمر وخلافه، إلا أنه وبالرغم من وجود تلك التقنيات إلا أن بعض المستخدمين يستطيعون التحايل عليها نوعًا ما مما يدفع تلك الأنظمة الفنية إلى إحالة المحتوى الذى لا تستطيع التعرف عليه إلى موظفين حقيقيين لاختباره  وإعطاء الرأى النهائى.

نأخذ مثالًا لذلك مع تطبيق الفيسبوك والذى تقوم فيه الشركة بالتعاقد مع شركات صغيرة للمعاونة فى تطهير المحتوى بصورة تقليدية تعتمد على وجود موظفين تكون مهمتهم الأساسية مراجعة هذا المحتوى ومشاهدته لأخذ الرأى النهائى طبقا للمعايير السابق ذكرها.

يطلق على هذه الوظيفة اسم “مطهر محتوى” أوFacebook content moderator  ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن تكون مهمة عملك الرئيسية هى مطالعة هذا المحتوى وأخذ القرار النهائى بخصوص نشره، وفى الحقيقة فإن تلك الوظيفة بالرغم من أنها تبدو لطيفة ومسلية إلا أنها ليست كذلك على الإطلاق.

فتمضية ثمانى ساعات يوميًا فى المشاهدة والتنقيح لمحتوى عنيف وصادم ليس بالأمر الهين خاصة مع تزايد أعداد مستخدمى تطبيق الفيسبوك والذى وصل عددهم إلى نحو 2.9 مليار مستخدم وللتدليل على أهمية هذه الوظيفة يكفى أن نعرف أن عدد العاملين بها لصالح شركة الفيسبوك قد تطور من 4500 موظف عام 2017 إلى أكثر من 15 ألف موظف هذا العام.

فعلى سبيل المثال فإن مشاهدة رجل يتم طعنه بسكين حاد أكثر من 30 طعنة مع الاستماع إليه وهو يتوسل إلى قاتله ثم يبدأ فى الصراخ إلى أن يسقط جثة هامدة، أو مشاهدة رجل تدهس عجلات السيارة رأسه وتتناثر أجزاء من مخه مختلطة بدمائه على أرضية الشارع الممطر، أو مشهد لرجل يعذب طفلًا صغيرًا أو حيوانًا ضعيفًا لاحول له ولا قوة، كل تلك المشاهد وأكثر تدفع مطهرى المحتوى إلى الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية والعصبية أبسطها نوبات الهلع Panic Attacks واضطرابات النوم والهضم مرورًا بنوبات القلق والاكتئاب وصولًا إلى الفصام والانتحار وهوما يدفع الكثير منهم إلى ترك العمل بعد فترة زمنية قصيرة بالرغم من الرواتب المرتفعة نوعًا ما والتى يتقاضونها نظير هذا العمل المزعج.

أبسط الآثار السلبية لهذه الوظيفة أن صاحبها ستتغير نظرته للحياة وللناس تمامًا بعدما يصطدم بأكثر مناطق النفس البشرية قسوة وظلامًا.