الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التطرف

التطرف

لا يخلو مكان فى العالم مما يمكن أن نسميه بالتطرف والمتطرفين  ذلك أن التطرف أحد أكبر التحديات التى تواجه المجتمعات عبر العصور، وهو قضية عالمية تؤثر فى كثير من دول العالم، ولذلك فهو محل عناية واهتمام من العلماء والباحثين والقانونيين والمؤسسات البحثية، وهو على رأس اهتمامات أجهزة الأمن فى مختلف الدول، مهما كان شكل هذا التطرف ونوعه، سواء أكان تطرفًا دينيًا أم أيديولوجيًا أم سياسيًا أم عنصريًا أم غير ذلك.



وعلى الرغم من الاختلاف حول ماهية التطرف والإرهاب ومدى الارتباط  بينهما فإنه مما لا شك فيه أن التطرف فى حد ذاته يمثل مشكلة وظاهرة سلبية، سواء أكان تطرفًا عنيفًا أم غير عنيف، وذلك باعتبار أن التطرف عمومًا هو خروج عن نهج الوسطية والاعتدال والقيم الإيجابية التى تسهم فى بناء مجتمع متحضر متماسك ينعم بالأمن والاستقرار، وخصوصًا إذا كان هذا التطرف مرتبطًا بنهج دعائى تسويقي، يحاول أصحابه نشر فيروسه فى المجتمعات عبر التغذية الفكرية والممارسات الإعلامية، لتحقيق أكبر قدر من الاستقطاب.

 ولا يمكن فهم خريطة الأزمات المعقدة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط بمعزل عن الصراع باسم الهوية الدينية التى تتداخل فيها الأبعاد السياسية والطائفية والعقائدية والمذهبية، وباتت بالفعل أهم روافد الفكر المتطرف، وما يرتبط به من عنف تعانى منه العديد من دول المنطقة فالصراع حول الهوية الدينية يعد أحد الأسباب الأساسية وظهور هويات فرعية بمضامين مذهبية وعرقية وإثنية ضيقة والتى عادة ما تغذيها الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التى لا تؤمن بالدولة الوطنية، وتنحاز دومًا لانتماءاتها الفكرية والأيديولوجية حتى لو كانت على حساب المصالح الوطنية.

ولا شك فى أن الخطاب الذى تتبناه هذه الجماعات والحركات الدينية السياسية يعد أحد أسباب الصراع حول الهوية الدينية، خاصة أنها تسعى إلى احتكار الحديث باسم الدين، وتوظيفه سياسيًا لخدمة مصالحها، من خلال تضمين خطابها مفردات تحظى بقبول واسع، كإحياء الخلافة الإسلامية وإقامة نظام الحكم الإسلامى، وتطبيق الشريعة الإسلامية.

لقد دفع هذا المفهوم الضيق والغامض للهوية الدينية من جانب هذه الجماعات البعض إلى وصفها بـ«الهوية القاتلة»، ليس فقط لأنها تسعى إلى اختزال الهوية فى انتماء واحد يقوم على المذهبية والتعصب، ثم يتطورلكن أيضًا لأن هذا المفهوم للهوية الدينية يتجاوز الدولة الوطنية، ولا يعترف بها لصالح ولاءات أكثر اتساعًا من الناحية الجغرافية.

ويمكن القول، أن صراع الهوية الدينية يمثل أحد أسباب انتشار الفكر المتطرف الذى تشهده منطقة الشرق الأوسط، والعنف المصاحب له فى أكثر من دولة، خاصة أن هذا الصراع تغذيه عوامل تاريخية وتدخلات خارجية تسعى إلى تسييس الخلافات المذهبية والطائفية، لخدمة مشاريعها فى التمدد والسيطرة.