الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
لغة الجينات 94

لغة الجينات 94

مش صعب تكون محترم.. ومش صعب تكون زى ما قال عمنا محمود السعدنى إمعة أو بردعة أوصاحب منفعة.. «الاحترام» من أهم القيم الإنسانية التى يملكها أصحاب الجينات الأصلية..



“احترم نفسك” لو سمعتها بتتقال لحد أعرف أنك أمام واحد من أصحاب الجينات الخبيثة.. فى الظاهر هتلاقيه لابس بدلة وكرافتة وشيك وعامل فيها ابن ناس وفى الباطن لن يخرج عن كونه إمعة أو بردعة أوصاحب منفعة..يسيء لسمعته بقصد أو بدون قصد.

هل “صاحب الجينات الخبيثة” ما يعرفش الاحترام؟ سؤال مهم.. والإجابة عنه أكثر أهمية.. بالعكس صاحب الجينات الخبيثة عنده أنواع مختلفة من الإحترام يمكن كلنا عمرنا ماعرفناها زى احترام المنفعة..ودى شعارها عنده أنا محترم لأننى احتاجك..وأول ما تخلص المنفعة يخلص الاحترام ويسقط القناع اللى كان لابسه ،وفيه كمان احترام الخوف وده شعاره “الإيد اللى ماتعرفش تعضها بوسها.

“ثقافة الاحترام” ما بيقدرش عليها غير أصحاب الجينات الأصلية.. الاحترام عندهم قيمة فى حد ذاته .. مقياس بيقدروا من خلاله التعامل مع الأشخاص وتقييمهم بناءً على عدّة عوامل منها؛ ما يفعله هذا الشخص فى حياته، كيف يتصرّف مع الآخرين، مدى صدقه، وكمّ الأعمال الجيدة التى يقوم بها سواءً كانت صغيرة أم كبيرة.. وبعدها بيعرفوا إذا كان الشخص ده من أصحاب الجينات الخبيثة أم الجينات الأصلية.

الشيخ الثانى عشر للأزهر الشيخ عبدالله الشرقاوى واحد من أصحاب الجينا الأصلية المتمسكين بالاحترام طوال حياتهم.. فى الظاهر جاء للقاهرة من الشرقية طفلا فقيرا معدما ليدرس بالأزهر وفى الباطن أبت نفسه وكرامته واحترامه لذاته أن يطلب المساعدة.. ذهب الى مسجد سيدنا الحسين وصلى العشاء وبكى بكاء شديدا ونام فرأى سيدنا الحسين يقول له تعالى صلى العشاء كل يوم وأذهب إلى الركن الفلانى وارفع الحصير ستجد ما يعينك على الحياة.. وظل هذا الأمر سرا كبيرا لم يبح به الشيخ الجليل إلا بعد أن تولى مشيخة الأزهر.

“احترام الشيخ الشرقاوى لنفسه ولوطنه” دفعه للوقوف ضد طغيان محمد بك الألفى الحاكم المملوكي، وكان له دور فعال فى ثورة القاهرة الأولى التى اندلعت بعد دخول الخيول الفرنسية للجامع الأزهر، وهو من هادن فى الظاهر الاحتلال من أجل قضاء مصالح الناس وفى الباطن كان مساندا لكل حراك شعبى يحارب هذا المحتل.

“احترام الشيخ الشرقاوى” لنفسه جعله فى الظاهر متسامحًا متساهلًا،وفى الباطن استطاع ان يحافظ على كيان الأزهر خلال توليه هذا المنصب الجليل والذى جاء فى فترة صعبة من تاريخ مصر.

جاء الفرنسيون ودخلوا القاهرة عام ١٧٩٨م بعد مقاومة رائعة، وبعد أن استقر لهم الأمر، وضع نابليون نظام لحكم البلاد، حاول فيه ان يستميل قيادات الثورة .. فقرر حكم القاهرة بمجلس مكون من ٩ أعضاء، على أن تكون السلطة المدنية للحكومة بيده، وكان الشيخ الشرقاوى من أعضاء هذا المجلس، ثم أمر نابليون بونابرت بتكوين مجلس لكل مديرية عدده ٧ أفراد، وذلك من أجل مصالح المديرية، وتم اختيار الشيخ «الشرقاوى» رئيسًا للديوان، وبذلك أصبح رئيسًا لحكومة القاهرة المدنية، بالإضافة إلى مشيخة الأزهر، ولقب بذى الرياستين.

فى الظاهر وافق الشيخ الجليل على تولى المناصب وظن نابليون أن «الشرقاوى» قد تم إغراؤه وشرائه بالمكاسب والمناصب، وقام ذات مرة بوضع طيلسان الجمهورية الفرنسية على كتف الشيخ الشرقاوى، فألقى به على الأرض. وفى الباطن ظل الشيخ الشرقاوى مساندا للثورة والثوار ومحافظا على كيان الازهر فى الوقت نفسه... يستغلُّ مكانته فى الشفاعة لدى الفرنسيين فى دفع الأذى عن زعماء الشعب، واكتشف الفرنسيون أنَّه تجاوب مع الثورة، فاعتقلوه مع غيره من الزعماء فى سجن القلعة، لكن سرعان ما أخرجوه لحاجتهم إليه، بعد فشل ثورة القاهرة عام ١٧٩٨.

“نابليون بونابرت” لم يستطع كسر احترام الشيخ الجليل لنفسه فقام بحل المجلس واستمر معطلًا مدة شهرين، واضطر لإعادته بشكل جديد ، حيث قام بتكوين مجلسين: أولهما الديوان العمومى وتكوّن من ٦٠ عضوًا من الأعيان المصريين وممثلى الطبقات المختلفة، وهذا المجلس يجتمع بناء على دعوة من حاكم القاهرة، وكان الشيخ «الشرقاوى» من أعضاء هذا المجلس، ثم انفض بعد ثلاثة أيام.

وثانيهما المجلس أو الديوان الخصوصى وعدد أعضائه ١٤ عضوًا، ويجتمع يوميًا لبحث ونظر مصالح الناس، وكان الشيخ «الشرقاوى» رئيسًا لهذا المجلس، وهو عبارة عن مجلس وزراء بإشراف الوزراء.

“ظل احترام الشيخ الشرقاوى” لنفسه مخيبا لامال الفرنسيين فى كل مرة حاولوا اغرائه فيها بالمناصب أو المال.. ومثلما فشل نابليون فى استمالة الرجل فشل كليبر وعندما قتله سليمان الحلبى وأعترف ان هناك من ساعده بالأزهر احتجزوا الشيخ الشرقاوى مع الشيخ «العريشى»، قاضى مصر، وتم حجزهما ساعات، وحاولوا اثتبات التهمة على الشيخ الشرقاوى. ولم تكن هذه هى المرة الوحيدة التى سجن فيها الفرنسيين الشيخ الشرقاوى فبعدها وبسبب ثورة المصريين عليهم قاموا باستدعاء أعضاء الديوان، واعتقلوا ٤ منهم، وكان فى مقدمتهم الشيخ عبدالله الشرقاوى، الذى ارسلوه إلى سجن القلعة ومكث فيها 100 يوم، وتم إطلاق سراحهم بعد معاهدة جلاء الفرنسيين عن مصر.

“الإحترام “ نفسه هو مادفع الشيخ الشرقاوى للاستمرار فى الدفاع عن الازهر والناس وقاد بعد خروج الفرنسيين جهدًا كبيرا فى النضال، مع زعماء الشعب فى عزل خورشيد باشا وتولى محمد على الحكم.

الشيخ «الشرقاوى»، ما يقرب من ٤٠ ألفًا وقاموا بمظاهرة ضد الأتراك وخورشيد باشا وظلمهم السافر، وتم عرض مظالم الشعب ومطالبهم وهى: عدم فرض أى ضريبة على القاهرة إلا بعد أن يقرها العلماء والأعيان... جلاء الجنود عن القاهرة وانتقال حامية القاهرة إلى الجيزة،.. عدم السماح بدخول أى جندى إلى مدينة القاهرة وهو مسلح.

من المهمّ أن نعرف أن احترام الغير لا يأتى إلاّ باحترام الذات، فكلّ منهما مرآة تعكس الآخر. وكلاهما يكمّلان بعضهما البعض، من لا يحترم ذاته لن يستطيع احترام الغير، ومن لا يحترم غيره فهو بالتأكيد لا يقدّر ذاته.