الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حقنا لازم يرجع بالقانون

استنسـاخ الآثـار المصريـة بالخـارج سرقـة «عينى عينك» لحضارة 7 آلاف سنة

تمتلك مصر تراثاً ثقافياً كبيراً جعلها قبلة للتاريخ والآثار وهذه المكانة الكبيرة التى بلغتها الحضارة المصرية جعلتها مطمعاً لمن اعتدوا على تراثها بوجوه عدة، فمنهم من نهب وسرق وهرب، ومنهم من حفر خلسة، ومنهم من استغل ثغرات فى قوانين الحماية للحصول على كميات كبيرة من هذه المقدرات التراثية إلى أن جاءت الطامة الكبرى، فبعد أن ضيقت الحكومة المصرية الخناق على بعثات التنقيب وقامت بتجريم أعمال الاتجار بالآثار ووضع قوانين رادعة تحد من الاتجار بالآثار أو اقتنائها إلا بالضوابط القانونية، الأمر الذى جعل تجار الآثار يلجأون إلى فكرة الاستنساخ التى تعتمد على استساخ القطع بمقياس 1: 1 مع الإمعان فى نقل كل التفاصيل الدقيقة حتى تكون نسبة المحاكاة 100%.



هذا الأمر تمت دراسته علميا من خلال دراسة متميزة قامت بها الباحثة نيرة جلال مفتشة آثار بالمتحف المصرى الكبير ضمن رسالة تقدمت بها إلى المعهد القومى للملكية الفكرية وجاءت بعنوان «دور الملكية الفكرية فى حماية الآثار المصرية من الاستنساخ»، وقد حصلت بها على درجة الماجستير بتقدير امتياز، وأشارت فيها إلى دور وزارة السياحة والآثار فى المحافظة على الأثر ضد أى تشويه أو تحريف، أو أى شكل من أشكال الاستغلال غير المشروع الذى يتم دون إذن كتابى مسبق منها، وقد أدركت الوزارة أهمية هذا الدور الرقابى لحماية النماذج والمستنسخات الأثرية، وقامت بتفعيله عندما قامت إحدى شركات الأفلام بالصين بعمل مستنسخ طبق الأصل لأبو الهول لاستخدامه كدعاية لها فى 2013، وقامت الوزارة بمخاطبة اليونسكو لهدم التمثال مؤكدةً أن هذه الأفعال تؤثر بالسلب على حركة السياحة فى مصر.

الدراسة كشفت عن مجموعة معلومات وحقائق وأرقام مزعجة، حيث إنه بدأت رحلة الاستنساخ تكون البديل الحقيقى للقطع الأثرية واقتبس منها ما اقتبس كعلامات تجارية مثل شركة “النساجون الشرقيون” و”سيراميكا كليوباترا” و”سجائر كليوباترا”.!، وشيد منها ما شيد من مدن وقرى ونواد مثل مدينة الملاهى الفرعونية بالإمارات.!!!، ليس هذا فقط ولكن تم إنشاء فنادق مثل فندق الأقصر لاس فيجاس بأمريكا، وهذا المشروع المقلد يدر ربحاً بلغ 60 مليون دولار فى عام 2018م، بل قام هذا الفندق باستغلال التراث المصرى على منتجات كحولية وفى ألعاب القمار وغيرهما من الاستخدامات التى تسىء بشكل أو بآخر إلى الحضارة المصرية.

بالإضافة إلى قيام إحدى شركات الأفلام بالصين بعمل مستنسخ طبق الأصل لتمثال أبو الهول ليتم استخدامة كنموذج للدعاية لها  فى عام 2013! وعلى الفور قامت وزارة الآثار بمخاطبة  اليونسكو لهدم التمثال مؤكدةً أن هذه الأفعال تؤثر بالسلب على حركة السياحة فى مصر، وفى ألمانيا قد عهد متحف برلين لشركة ألمانية بعمل عدد 100نسخة مجسمة طبق الأصل من تمثال نفرتيتى، وحُفر فى أسفله علامة تدل على حفظ حقوق الملكية الفكرية لصالح متحف برلين!.

كل هذه الأعمال تجنى أرباحاً بالملايين لم تحصل منها صاحبة الحضارة مصر على  شيء، الأمر الذى دعا المشرع المصرى لوضع إطار قانوني حاكم حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية للنماذج الأثرية، فنص المشرع المصرى صراحة فى قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018 فى المادة 36 بتطبيق أحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على النماذج والمستنسخات الأثرية التى ينتجها المجلس الأعلى للآثار وصور القطع والمواقع الأثرية المملوكة له، وتضع اللائحة التنفيذية الضوابط القررة فى هذا الشأن،ليس هذا فحسب بل تقدم د.أيمن محسب عضو مجلس الشعب فى 2021 بمشروع قانون جديد تحت عنوان «تسجيل واستغلال الآثار المصرية فى الداخل والخارج»،بهدف قيام الحكومة المصرية بتسجيل جميع الآثار فى المنظمة الدولية للملكية الفكرية (w i p o) والحصول على عائد نظير هذا الاستغلال للآثار الموجودة بالخارج، وهذا المشروع جار الانتهاء منه.

الدراسة توصلت فى هذا الإطار لعدة نتائج مهمة، منها أن قانون حماية الآثار أعطى للمجلس الأعلى للآثار حقوقاً حصرية على إنتاج النماذج والمستنسخات الأثرية أو منح تراخيص للغير طبقاً لضوابط وشروط محددة، (قانون حماية الآثار مادة 143)، وقيام وزارة الآثار بإنشاء وحدة إنتاج النماذج الأثرية الغرض منها هو حماية حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالنماذج التى ينتجها المجلس ومنع تداول المنتجات الأثرية المقلدة وذات الجودة المتدنية فى الأسواق، بالإضافة إلى دورها فى تنمية موارد الوزارة عن طريق بيع هذه النماذج والمستنسخات وطرحها للتداول وترويجها من خلال منافذ البيع التابعة للوزارة.(قانون حماية الآثار المادة رقم 150).

كما حظر المشرع دخول أية نماذج أو مستنسخات إلى البلاد تكون مخالفة للمواصفات الخاصة التى وضعها المجلس الأعلى للآثار، (قانون حماية الآثار مادة رقم 142، وقرار وزير التجارة رقم 232 لسنة 2015)، وحظر عمل مستنسخات لأغراض تجارية أو ربحية إلا بترخيص من وزارة الآثار. (قانون حماية الآثار مادة رقم 146)، وقانون الآثار المصرى رقم 117 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018 قد أحال فى مادته 36 إلى قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 لتطبيق أحكامه على النماذج الأثرية التى تنتجها وحدة النماذج الأثرية ولكن قانون الملكية الفكرية قد أغفل التراث المصرى من الحماية واكتفى فقط بحماية الفلكلور المصرى من خلال قواعد حق المؤلف، واتضح أيضا إمكانية تسجيل العديد من المنتجات أو العناصر كعلامة تجارية مثل اسم المتحف أو أى شعار لوزارة الآثار أو الجهات التابعة لها، والأختام التى توضع على النماذج الأثرية وغيرها، مثلما قام المتحف القومى للحضارة المصرية والمتحف المصرى الكبير بتسجيل شعاراتهم كعلامة تجارية.

وصعوبة تسجيل جميع القطع الأثرية كعلامة تجارية وذلك لأن الطبيعة الخاصة للأثر لاتتناسب مع شروط تسجيل العلامة التجارية التى من وظيفتها هو تمييز خدمة أو منتج أو سلعة، وبالتالى فإن آلية الحماية الخاصة بالعلامة التجارية لاتتوافق كلياً مع حماية الآثار من الاستنساخ بشكل عام ولكن من الممكن وضع ضوابط أخرى للحماية، وصعوبة اعتبار النماذج والمستنسخات الأثرية التى تنتجها وزارة الآثار مصنفات تحمى عن طريق حق المؤلف وذلك لأنها تفتقد لشرط الابتكار وبالتالى يصعب تطبيق قواعد حق المؤلف بشكل مطلق لحماية النماذج والمستنسخات الأثرية التى تنتجها وزارة الآثار. بالإضافة إلى أن قواعد حق المؤلف تمنح حماية محددة بمدة معينة وهذه المدة لا تصلح مع طبيعة التراث المصرى.

كما أن المشرع أنزل وزارة الآثار منزلة المؤلف باعتبارها مالكة لجميع حقوق الملكية الفكرية على النماذج الأثرية التى تنتجها وكذلك حقوق على صور القطع والمواقع الأثرية المملوكة للوزارة، ولكن يؤخذ على المشرع أنه أعطى لوزارة الآثار الحق فى ممارسة كل حقوق المؤلف على منتجات لم تكن فى الأصل مصنفاً محمياً بقواعد حق المؤلف؟!، وتحرص وزارة الآثار فى التعاقدات المبرمة بينها وبين الدول المستضيفة للمعارض أن تضع بنداً يحفظ كل حقوق الملكية الفكرية للوزارة على النماذج والمستنسخات التى تنتجها بما يضمن عدم تعديلها أو تحويرها أو أى عمل من شأنه المساس بالمستنسخات الأثرية، وبناء على ماسبق فإن أنظمة الملكية الفكرية لاتعتبر كافية لحماية الآثار الأمر الذى يحدو بنا إلى ضرورة وضع قوانين دولية خاصة بحماية الآثار من كافة أوجه الاستغلال.

الباحثة فى دراستها لم تكتف بالنتائج، بل وضعت عدة توصيات على جانب كبير من الأهمية، وفى مقدمتها ضرورة وجود نظام قانونى دولى خاص موحد لحماية الملكية الثقافية بكل أشكالها من أى استغلال تجارى غير مرخص له مع الأخذ فى الاعتبار الطبيعة الخاصة للتراث، والاسترشاد بقانون العلامات التجارية فى نيوزيلندا وقانون التراث الإيطالى وقانون المتاحف فى الجبل الأسود لمنع استغلال مفردات التراث بشكل يسىء لقيمة التراث، والعمل على إنفاذ حقوق الملكية الفكرية وتطبيق قواعدها على النماذج الأثرية على المستوى الإقليمى والدولى مع وضع فرع جديد فى قانون الملكية الفكرية يختص بحماية التراث الثقافى بما يتماشى مع طبيعته الخاصة كما حدث مع الأصناف النباتية الجديدة والحقوق المجاورة والمؤشرات الجغرافية. 

كما أوصت بضرورة الاسترشاد ببعض التطبيقات المشهورة فى الخارج لاستخدام آلية الترخيص باستغلال العلامات التجارية مثل نموذج متحف اللوفر أبوظبى لاسيما مسألة الترخيص باستخدام اسم اللوفر، ضرورة قيام وحده النماذج الأثرية بوضع لائحة توضح فيها الضوابط الخاصة باستيراد النماذج والمستنسخات الأثرية، وضرورة عمل كتالوج وموقع الكترونى خاص بجميع المستنسخات والنماذج التى تنتجها الوحدة وذكر أسعارها والمواد والخامات المصنوعة منها كنوع من أنواع الدعاية والترويج وحفظ حقوق الملكية الفكرية والذى يؤدى بطبيعة الحال إلى زيادة دخل وزارة الآثار.

وضرورة تسجيل شعار وحدة النماذج الأثرية والذى يتم وضعه على المستنسخات والنماذج الأثرية التى تنتجها الوزارة، مخاطبة اليونسكو والمنظمة العالمية للملكية الفكرية  (WIPO) لدراسة إمكانية وضع اتفاقية دولية للحد من استغلال التراث بشكل عام. ضرورة إنجاز أعمال اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية والفلكلور والعمل على توضيح كل أشكال الاستغلال التجارى لجميع مفردات التراث بشكل عام ووضع بنود صارمة للحد من مخاطر الاستغلال التجارى، ضرورة عمل قاعدة بيانات بجميع النماذج والمستنسخات الأثرية التى يتم السماح بخروجها من المطار أو المنافذ الأثرية، وعدم السماح بخروج أى قطع أثرية تكون مطابقه للأصل وليس معها شهاده تفيد أنها من إنتاج وزارة الآثار.

ــــ التسجيل مهم 

من جانبها قالت د. إيمان محسن شهاوى مدير بحوث ودراسات الموزاييك لمتاحف الإسكندرية: الأثر الذى لا يحمل رقم تسجيل فى سجلات المجلس الأعلى للآثار يسهل بيعه فى الأسواق الخارجية، حيث تقبل المتاحف على شرائه نظرا لوجود اتفاقية دولية عام 1975 من قبل اليونسكو تمنع بيع أى أثر يحمل رقم تسجيل لأى متحف فى أى دولة أخرى، لذلك لابد من عمل مشروع تسجيل واستغلال الآثار المصرية فى الداخل والخارج، بهدف تسجيل جميع الآثار المصرية فى منظمة الـw i p o وهى المنظمة الدولية لحقوق الملكية الفكرية،وبناء عليه ستحصل مصر على عائد بالمليارات نظير الآثار المصرية الموجودة فى دول أخرى نتيجة استغلالها.

وأضافت: إننا بموجب قانون الملكية الفكرية نستطيع التعامل مع كل آثارنا حول العالم سواء التى خرجت بطرق شرعية أو غير شرعية، بحيث يتم الرجوع لمصر فى التعامل مع آثارنا المعروضة أو الموجودة بالخارج، حيث يتم عمل معارض تدر الكثير من الأموال بالآثار المصرية فى المتاحف الخارجية دون الرجوع لمصر، لمجرد أن هذه الآثار ملك للمتحف فى الخارج والتى خرجت من مصر بطريقة شرعية قبل القانون الحالى الذى يجرم بيع الآثار أو خروجها.