الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فن الكروتة

فن الكروتة

على غرار كتاب «فن اللامبالاة» لمارك مانسون الصادر عام 2016 والذى يوحى عنوانه بأن اللامبالاة هو أمر مطلوب ومحمود وسيصل بصاحبه إلى نتائج متميزة وهذا خلاف الحقيقة وخلاف محتوى الكتاب أيضا، هذا المحتوى الذى ينتقد نظرية التفكير الإيجابى غير المشروط بل يحاول أن يتعمق أكثر فيما يمر بالفرد من شدائد وأزمات وأن يتعامل معها بصدق ويترك بعضًا من المشاعر السلبية لتتحرك بداخله ولكن يتوجب عليه فى النهاية التعامل الإيجابى مع تلك الصعوبات لكى يتغلب عليها بصورة واقعية.



على غرار هذا المسمى نجد حولنا أن عدم الاتقان أو ما يطلق عليه «كروتة» قد انتشر بصورة كبيرة بالرغم من أن أساليب الإدارة والتفكير المنطقى لا ينتظران أى نتائج إيجابية من انتهاج عدم الاتقان كنهج حياة، وحتى التعاليم الدينية تحث على هذا فالحديث الشريف عن أم المؤمنين عَائِشَةَ بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ «كما نجد أيضا فى الإصحاح الثانى عشر من سفر الامثال «الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا، أَمَّا ثَرْوَةُ الإِنْسَانِ الْكَرِيمَةُ فَهِيَ الاجْتِهَادُ» (سفر الأمثال 12: 27).

إلا أن البعض ينظر الى الكروتة كأحد أساليب الذكاء والدهاء التى تمكنه من تحقيق هدفه بأقل مجهود ممكن فهو فى هذه الحالة ما يزال ينظر إلى الهدف كغاية نبيلة ولكنه لا ينظر الى الوسيلة بنفس الطريقة، أبسط مثال أن تجد عامل الطلاء يقوم بدهان الجزء من الحائط الذى تقع عليه ألاعين بجودة عالية ثم يقوم بطلاء باقى الحائط باستهتار فهو يعلم أن الأعين لن تصل إلى هذا الجزء ولن تتعرف على ما قام به كما أن لديه تبريرات جاهزة فى حالة أن تم الإيقاع به أبسطها أنه لم يلحظ هذا وأنه سيقوم بإعادة الطلاء مرة أخرى.

ولكن هل كل الكروتة مذمومة؟ فى الحقيقة فإنه فى بعض الحالات لا تكون كذلك، كان تقوم فقط بكى الجزء الأمامى من القميص على اعتبار أنك سترتدى عليه  معطفًا، أولا تعتنى كثيرًا بخطك عند كتابة قائمة المشتروات التى ترغب فى شرائها فى عطلة نهاية الأسبوع مثلما تعتنى بخطك عند كتابة أحد تقارير اوخطابات العمل الهامة... إلخ. هذا القدر والنوع من الكروتة مطلوبان وبشدة وإلا ستتحول الى أن تصاب بمرض آخر اسمه مرض الاتقان Perfectionism  وهومرض كفيل بأن يحيل حياتك إلى جحيم فالمصابون بهذا الداء لا يقبلون أى نقص بالرغم من أن هذا النقص هوإحدىسمات وسنن الحياة الأساسية.