الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سيب وأنا أسيب

سيب وأنا أسيب

كلما شاهدت الأخبار المتداولة بشأن الأزمة الروسية _الأوكرانية ومدى تعقيدها بصورة أكبر بكثير من الجزء الصغير المباشر والمرتبطة بالصراع العسكرى الواضح، كلما تذكرت عبارة “سيب وانا اسيب” التى كانت تنطلق من أفواهنا فى سنوات الطفولة الأولى وتحديدًا عندما ينطلق الصراع من مرحلة تبادل التهديدات والسباب إلى مرحلة إمساك كل طرف لجزء من ملابس غريمه الذى يتصارع معه.



وبغض النظر عن أسباب صراع الأطفال ومدى تفاهته حاليًا بالرغم من أننا لم نكن نراه كذلك فى حينه ،إلا أنه وبمجرد ما أن يمسك أحدنا بملابس الطرف الآخر-عادة ما تكون ياقة القميص- حتى يقوم الطرف الآخر بنفس الفعل بصورة تلقائية ليكتسب نفس درجة قوة الموقف و من ثم تنطلق الحملة الأزلية من الأفواه.

المرحلة التالية لذلك قد يحدث فيها تصعيد كأن يقوم أحد الطرفين بترك ملابس الطرف الآخر بالفعل ولكن لكى يوسعه ضربًا ثم يستحوذ على ما يريد،أو يخفض كل من الطرفين يديه بعد أن يتنازل أحد الأطراف أو يصلان إلى حل وسط.

لا تختلف الأزمة الحالية فى مشهدها العام عن مشهد الطفولة إلا فى أن عدد الأيدى أكثر بكثير. وعدد الأطراف المتقابلة كثير أيضًا، فالأمر ليس بين روسيا وأوكرانيا فقط ،بل نستطيع أن نقول إنه قد أظهر كم أن العالم بأسره مترابط ومرتبط بعلاقات مصيرية على مستويات الاقتصاد المختلفة، بصورة قد تكون أكثر براجماتية وفاعلية من الكثير من المواقف السياسية المعلنة، تلك المواقف السياسية التى ربما يكون قد بنى عليها الساسة قراراتهم الأولية لمباركة أو رفض هذا الصراع وكذا أيضًا فى الانحياز لطرف على حساب الآخر.

هذا التعقيد يتضح ابتداء بمصادر الطاقة الروسية ومدى اعتماد العالم كله عليها بداية من دول الاتحاد الأوروبى بنسب مختلفة مرورًا بالصين ووصولًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، بالإضافة إلى باقى درجات الاعتمادية فى السلع والمنتجات الوسيطة والنهائية بالإضافة إلى صناعة المعلومات وتدفقها عبر الشبكات المختلفة وللأغراض المتعددة التى لا يمكن اختزالها بأى حال من الأحوال فى أغراض التسلية والتواصل الاجتماعى فقط بل تمتد لتشمل المعاملات المالية وباقى الاتصالات المرتبطة بصناعة المعلومات وتبادلها بين الأطراف المختلفة.

هذا التشابك يجعل التنبؤ بمستقبل هذا الصراع فى غاية الصعوبة ويجعل العديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين فى مأزق بسبب عدم الوضوح لما ستسفر عنه الفترة القادمة وهو ما يحتاج إلى تحليلات دقيقة ووضع العديد من الاحتمالات لكثير من التحركات المستقبلية وردود فعل جميع  الأطراف عليها.