الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عودُ بالتصوير لبساطة الأيقونة

عودُ بالتصوير لبساطة الأيقونة

كنا فيما مضى ننحى بالأئمة على الأيقونة والأيكينوجرافيك عامة لأنها تمثل البداية البيزنطية، كما أنها تعبر عن نهاية الحقبة الكلاسيكية بسقوط نجم روما... على اية حال فإن النقاد ينظرون للأيقونة من الناحية التشكيلية التحررية على أنها نوع من القيود التى وضعتها الكنيسة الشرقية على الفن ومن ثم تراجع الناحية الأبداعية وظهور الكآبة فى التصوير والاتجاه إلى التسطيح هذه هى النقاط التى عابها النقاد لبداية فن الأيقونة.



لكن دعنا نقول إن الأيقونة كفن تتميز أيضا ببعض المزايا وان كانت تناسب تنوع عصرنا بالأساس وأهم هذه المميزات تلك البساطة والبرائة التى تشع من الأيقونة سواء كانت حديثه أم قديمة إذن علينا أن نقول إن الأيقونة ليست مستهجنة فى كل الحالات وخصوصا أن هناك تقنيات من التصوير يناسبها خط الأيكينوجرافيك أكثر مثل الرسم على الزجاج والتعشيق فهى تقنيات تميل أكثر إلى التسطيح والتبسيط الذى يميز الأيكينوجرافيك.

هذا ما قد نجده فى معظم أعمال فنان فرنسا الجميل جورج رووا الفنان الذى عبر بكل ما يحمله اللون من برأه عن ما يدور فى ذهنه الملىء بالقضايا الفنيه والذى يجنح ولو بشكل جزئى إلى التصوير الدينى والسخرية من الخطيئة كما يقول الناقد الأيطالى ريكاردو نيكولا أيضا يظهر لنا رووا مدى اتساق كثافة اللون مع ثقل الأجسام هذا بالتحديد ما يرمى إليه رووا فى معظم تعبيراته واستخدامه لجزالة اللون.

يقول ريكاردو نيكولا (رووا رسام يغوص فى أعماق طفولته ويستخرج منها رؤاه الخاصة جدا بل لعلنا نقول إنها تعدى ذلك ليغوص فى طفولة العالم ويعود إلى عصور أصبحت فيه الوجوه مجرد بروفيل على عمله أو مجرد عينان وفم وانف ... الوجه مجرد رمز للبشرى والجسد عدة رموز للخطيئة)

أذن رووا لم يكن يعبر عن بساطة ذاته فقط بل كان يعبر عن بساطة عصر بأكمله هو عصر الأيقونة الذى أهمله النقاد لما رأوه فى من فظاظه ابتعدت بالفن نحو التزمت والتخويف. لكننا بحسبه بسيطة لا نستطيع أيضا ان نعتبر جورج رووا رسام ايقونة حداثية هذا بالطبع خطأ كبير فإذا قارناه مثلا بفنان من رسامى فن الأيقونة الحديث مثل الفنان المصرى أيزاك فانوس وجدنا فروقا شاسعة بينهما هذه الفروق تصنف رووا أكثر كفنان حداثى يعبر عن البساطة بعيدا عن تعقيد المشهد الفنى المعاصر له لكن لعلنا نتسأل عن مفتاح تأثر رووا بهذا الأسلوب وبمقارنه بسيطة نجد أن رووا لم يتأثر بالأيقونة فى تقنياته بل تأثر بما يعرف أصطلاحا بوجوه الفيوم وهى مجموعة من البروتريهات الزيتية  التى رسمت على رءوس المومياوات الرومانية فى اقليم الفيوم ما بين القرن الثانى والثالث الميلادى وهى تمثل حقيقة بداية فن البورتريه فى العالم ويصل تأثر رووا بها إلى حد تطابق بعض لوحاته مع هذه الوجوه من كل الزوايا سواء اللون أو تقنية تعبير الوجه.

كانت بساطة رووا تعود لسنين طفولته الأولى حيث ولد فى أسرة فقيرة وشجعته والدته على الفن فعمل فى سن صغيرة فى الرسم على الزجاج والتحق بمدرسة الفنون الجميلة فى باريس عام 1891 وكان من حسن حظه أنه تتلمذ على يد الفنان العظيم جوستاف مورو وكان من احب التلاميذ إلى قلب مورو وهذا ما دفع القائمين على متحف مورو ان يقومو بتعين رووا امينا للمتحف بعد وفاة مورو.

وعلى الرغم من ان رووا زامل العديد من رواد المدرسه الوحشيه مثل هنرى ماتيس وتشارلز كاميون إلا انه لم يتأثر كثيرا بالوحشية كما ادعى البعض لكننا نرى فى رووا فنان يميل إلى الأنطباعيه بحكم تقنية الفرشاه الخاصة به ونقول يميل فقط لأنه يتميز عن الأنطباعيين بنقاط عدة أهمها استخدامه أطار محدد لأعماله وميله أكثر للبورترية السينجولية (الفردى) أو الدويتو.

على أية حال فإن رووا وبداية من 1917 بدأ يتجه أكثر للموضوعات الدينية فى معظم أعماله وهذا ما حدا بشهرته أن تخبو شيئا فشيئا حيث انصرف النقاد عن الكلام عنه فى خضم انبثاق فنانين حداثيين مثل بيكاسو ومودوليانى ودالى.

وبدأ رووا يتراجع فى خلفية المشهد الإعلامى وعلى الرغم من استمراره فى الاشتراك بأعماله فى المعارض والجاليرى فى باريس

إلا أنه اتجه للظل مقارنة بأقرانه فى هذه الفترة.

ولعل أهم أسباب ذلك هو اتخاذه القضية الدينية المكروره ملعبا له كذلك ابتعاده عن الابتكار فى اسلوبه وهذا ما حدا ببعض النقاد الباريسين أن يصفه بالناسك العجوز.

مات جورج رووا فى باريس عام 1958 لكن ظلت أعماله شاهده على الردة لعصر البساطة والتمسح فى الأيكينوجرافيك ولعل رووا كان من الفنانين الذى نستطيع أن نقول إنهم تمذهبوا بالحركة ثم السكون.