الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الازدواجية فى القول والفعل

الازدواجية فى القول والفعل

إذا افترضنا أن هناك معلمًا أثناء إلقاء مادته العلمية كان يداوم على توجيه تلاميذه إلى حسن معاملة الآخرين وذلك بنبذ السلوكيات الشائنة الذميمة والتخلق بالأخلاق الفاضلة الحميدة، بينما اعتاد هو على أن يناقض ما يقول ولا يرقب فى تصرفاته وأفعاله آداب حُسن معاملة الآخرين، فهل يمكن أن يؤثر نصحه على تلاميذه؟ أم لن يعيروه اهتمامًا؟ وإذا افترضنا طبيبًا ينصح المرضى بالإقلاع عن التدخين ويعدد مخاطره، وقد اعتادوا أن يروه ينفث فى وجههم الدخان من فتحتى أنفه، فهل يمكن أن يقتنع المرضى بنصائحه عن مساوئ التدخين؟  كذلك إذا افترضنا أن رجل دين يوجه أحاديثه إلى مراجعة النفس واتباع مرضاة الله والبعد عن الهوى ثم ما يلبث ينهى خطبته حتى ينغمس فى أفعال تناقض ما يدعو إليه، فهل سيتأثر به مستمعوه بعد ذلك؟ إن هذه الأمثلة وغيرها الكثير تدعونا إلى التساؤل: هل يمكن أن يعيش المرء بشخصية مزدوجة، أو بشخصيات متعددة متناقضة، ينتقل من شخصية إلى أخرى بصورة سلسة غير عابئ بمبادئه؟ هذا التساؤل يثور فى أذهاننا عندما نسمع من شخص ما ؛ يقول أن وظيفته تفرض عليه أقوالًا معينة أثناء عمله تقتضى نصح الناس بالتحلى بصفات وخصال قويمة، غير أنه مع انقضاء وقت العمل سرعان ما ينتقل إلى شخصيته الحقيقية التى يمكن أن تتعارض مع ما يدعو إليه، فإذا كانت تتعارض مع ما كان ينصح به، فإنه يذهب غير مبالِ بما كان يدعو إليه أو ينصح به ضاربًا إياه بعرض الحائط، وحين يُنتقد يقول أنه ينطق بما يفرضه عليه عمله وليس مطالبًا بتطبيق ما يـنصح أو يرشد به.. الواقع أن مثل هذه الأمثلة وغيرها كثير تعد مأزقاَ كبيرًا يؤثر على نهوض الأمم، وتهز كيان أى مجتمع وتؤثر على دعائمه وتقوض الجهود الصادقة  المبذولة لرفعته، وتحط كذلك من مكانة ذلك الذى يحض غيره على الخير ومكارم الأخلاق ويفعل نقيض ما يقوله، والذى يفترض فيه الناس حين يستمعون إليه -كونه يقوم بإسداء النُصح - تمتعه بالحكمة.. فإذا كان أغلب الناس لا يفضلون سماع النصح؛ فإنهم يتصيدون الأسباب التى بها يتجاهلون هذا النصح، ومنها تصيد أخطاء الدال عليه حينما تتعارض سلوكياته مع القيم والمبادئ والأخلاق التى يدعو لها، ومن ثم يقومون بتضخيمها للحفاظ على تقديرهم لذاتهم فى مواجهة ما يقومون به من تصرفات مارقة عن جادة الصواب؛ فهذا الشعور يجعلهم يشعرون بارتياح يخلصهم من آلام النقد والضمير.



إذًا هناك مشكلة قائمة ترقى إلى حد الظاهرة  يُمكن تلخيصها ببساطة فى أن من يتلقى النصح لا يجيد تلقيه ومن يبدى النصح لا يجيد تقديمه.. فتقبل النصح من الآخرين من العوامل الأكثر تأثيرًا على تنمية شخصيتنا؛ ولكنها لا تؤتى ثمارها إلا إذا كانت صادرة عن قول يطابق الفعل.. ولا يعنى ما نقول أن ينتهى الناصح عن نصحه طالما لا يطابق فعله قوله، ولكن يجب ترسيخ فكرة مطابقة القول للفعل، فبهما معًا نصنع القدوة؛ ونبنى الأجيال؛ ونضيء الطريق، فالشاعر يقول فيمن يعظ الناس ويفعل ما يناقض قوله “لا تنه عن خلق وتأتى مثله. عار عليك إذا فعلت عظيم. ابدأ بنفسك فانهها عن غيها. فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ”.