الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
انتحار الأخلاق

انتحار الأخلاق

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا



لا أعتقد أن حافظ إبراهيم حين كتب تلك الكلمات كان المجتمع فى عصره أسوأ حالًا مما نحن عليه، فإن كانت الأخلاق آخذة نحو الاندثار والتخفى وراء أعمدة التحضر والرقى ومسايرة العصر، حيث لم يعد الجانب الأخلاقى هو الحاكم للبعض فى المجتمع.

لقد أصبح التواصل تباعدًا اجتماعيًا وليس تواصلًا اجتماعيًا، فالشحناء متوهجة والتربص دائم على أتفه الأشياء وأهمها، فالأمر يبدأ دوما بطرح للرأى، ونحن فى مجتمع لا نحترم تنوع الآراء، فتتحول المسألة من نقاش حول رأى ما، إلى سباب ومقاطعة وتلاسن حتى بين الأصدقاء، الجميع يتصارع لإثبات أنه الأصح حتى وإن ثبت العكس، وكل شىء مكتوب بصفحة كل شخص على مواقع التواصل وكذلك مكتوب فى صحيفته يوم يلقى ربه، ربما سيجد كثيرًا لم يكن ليرغب فى رؤيته، وسيعلم أنه لا شىء كان يستحق كل هذا الهراء.. المسلسلات والبرامج!

إذا كنت من هواة الإمساك «بالريموت» والتنقل بين القنوات الفضائية، فأنت الأقرب إلى واقع افتراضى ترسمه لك المسلسلات والبرامج، هذا الواقع عبارة عن غابة تمتلئ بالأفاعى، هدفها خبيث يقدم لك السم فى العسل، ويزرع بأرض الخواء الفكرى والثقافى والأخلاقى قيم الخيانة والكذب والبلطجة والخداع وقتل الإنسانية والضحك على معاناة إنسان، الجميع يتسابق من أجل الحصول على أعلى نسب المشاهدات وأكثر نسبة من الإعلانات، والضحية مجموعة من المشاهدين انحدروا فى بئر انعدام الضمير وضياع الأخلاق.

الجميع دون استثناء مضطر رغمًا عنه للسير والتجول بين الشوارع ومخالطة الناس، ستسمع للشتائم فى نهار رمضان، وسترى بعض الشباب يتمعنون النظر إلى الفتيات من أعلى إلى أسفل، وستركب «الميكروباص» مع سائق يمسك بسيجارته وأنت صائم، وستتعامل مع بائع يزيد سعر بضاعته أضعاف قيمتها الحقيقية، وستقف بين زحام الناس بعربة المترو لترى الصغير يتعارك مع العجوز، وتسمع الشتائم بين الناس لأن أبواب المترو ستغلق وما يزالون عالقين بين الرصيف والعربة، وستجد متسولاً يتفنن أنواع المسكنة لممارسة مهنته فى الشحاذة، وستسمع كلمة كثيرًا ما تقال على ألسنة أبناء الشعب الواحد: «أنتم شعب متخلف».

لا تتأخر المجتمعات إلا بتأخر عقول أبنائها، ولا تنحدر الأخلاق إلا بضياع التربية، فعندما يخبرنا الله تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} نطمئن إلى أن التغيير ممكن ولكنه مسئولية هؤلاء الذين ضيعوا الأخلاق بأيديهم، والرسول يعلمنا بأن كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وخطورة الأخلاق أنها ليست فطرية وإنما مكتسبة، لذلك فهى مسئولية الأسرة عند التربية، ومسئولية المدرسة التى يخرج إليها النشء ويطل منها إلى المجتمع ليحمل هو الآخر مسئولية زرع الأخلاق فى أرض البشر ، أصبح الدين مجرد صور نراها فى وجوه أصحابها، وليس أخلاقًا نجدها عند المعاملات، تغيب الابتسامة وهى أبسط ما يتصدق به الإنسان على أخيه الإنسان، وتحل مكانها دناءة النفوس وسوء الخصال والطباع.