29 محافظة

منشورات المستخدمين فى شبكات التواصل الاجتماعى تنبئ عن الكثير، منها بالطبع الموضوعات محل الاهتمام والمناقشة-التريند- كما تنبئ عن مستوى الوعى والإدراك والثقافة والتعليم وخلافه.

بالأمس وجدت منشورًا لأحد الأصدقاء-فى الواقع لا أعرفه معرفة شخصية ولا أتذكر أننا تبادلنا حتى التحية على الفيسبوك وتلك قضية أخرى لمعنى الصداقة- بدأ هذا المنشور بالإفادة بأن بمصر 29 محافظة ثم استطرد فى مقترحات لأسلوب الإدارة والتنسيق والمتابعة والتقييم داخل المحافظات مع التركيز على توضيح الميزة التنافسية لكل محافظة أو إقليم وهى اقتراحات بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها جملة أو تفصيلًا إلا أن الإفادة الأولى بأن عدد محافظات مصر هو 29 أثارت انتباهى بشدة.

بداية وقبل أن أبدأ فى تحليل هذا الأمر، ألقيت نظرة على تاريخ المنشور فربما يكون منشورًا قديمًا فى الفترة من 2008 إلى 2011 وهى الفترة التى بالفعل كان عدد محافظات مصر 29 بعد استحداث محافظتى حلون و6 أكتوبر ولكن الصدمة أتت عندما وجدت أن تاريخ المنشور هو تاريخ اليوم.

هنا بدأت فى استعراض التعليقات على هذا المنشور والتى كان عددها قد تخطى العشرين تعليقًا حتى كتابة هذه السطور، توقعت أن أجد تصحيحًا من البعض لهذا العدد وأن يتم إيضاح أن عدد محافظات مصر هو 27 وليس 29 ولكن هذا لم يحدث، فلم يقم أى من المعلقين بذكر هذا الأمر أو تصحيحه بل دخل الجميع مباشرة إلى نقد ما هو مكتوب بالكامل فى حين قام البعض الآخر بالاتفاق مع المقترحات تمامًا وتباين البعض الآخر بين الاتفاق والرفض الجزئى كما لم تخل التعليقات من سخرية بل ووقاحة فى بعض الحالات أيضًا. حاولت أن أستنتج عدم الانتباه لعدد المحافظات المذكور فوجدت أن هذا ربما يكون راجعًا إلى سرعة القراءة التى تتسم بها طبيعة منشورات شبكات التواصل الاجتماعى ،وهو ما يتنافى بالطبع مع التركيز والانتباه والهضم والفهم الحقيقى لما هو مكتوب، أو أن من قرأ لا توجد لديه المعلومة الصحيحة وعليه فإنه قد استقى عدد المحافظات من هذا المنشور وسيقوم بنشر هذه المعلومة غير الصحيحة فى منشوراته ونقاشاته اللاحقة و تلك مشكلة كبيرة أيضًا.

قد ينبرى البعض ناقدًا ما أكتب قائلًا إن تلك معلومة بسيطة العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر والحقيقة أننى إذا حاولت الموافقة على هذا الرأى إلا أننى لا أستطيع التغافل عن أهمية الاستدلال بها على مصداقية ودقة المتحدث فيما يلى ذلك من آراء، بل قد أرفض تمامًا أن يشار إلى أن هذه معلومة تافهة ففى الحقيقة فإن إضافة محافظتين إلى الـ27 محافظة يحقق معدل خطأ مقداره 7.4% فى المعلومة المقدمة وهو معدل مرتفع جدًا كما أن على مستوى دولة بحجم مصر فإن إضافة محافظة أو حذف أخرى يستتبعه إجراءات وتكلفة وخطة زمنية ليست بالبسيطة على الإطلاق.