الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عازفون تيتانيك

عازفون تيتانيك

مشهد لم يستغرق إلا ثوانٍ معدودة فى الفيلم الشهير «تيتانيك» والذى يحكى مأساة أكبر سفينة نقل ركاب فى العالم فى بدايات القرن العشرين وتحديدًا عام 1912 والتى غرقت فى أول رحلة لها، فبالرغم من المأساة الكبرى وبالرغم من الإنتاج الضخم للفيلم وبالرغم من قصة الحب الهامشية التى أصر صناع الفيلم على جعلها محورية، إلا أن هذا المشهد لا ينساه كل من شاهد الفيلم.



الجميع يصرخ، يجرى، محاولًا النجاة بارتداء سترة أو البحث عن قارب، تحرك ثلاثة عازفين مع المجموعة، توقف العازفون بعد وصلة قصيرة، ودعوا بعضهم البعض وبدأ اثنان منهم فى الحركة بعيدًا إلا عازف الكمان الذى بدأ العزف مجددًا على خلفية المشهد المضطرب بمحاولات النجاة، هنا توقف زميلاه عن الابتعاد حيث عادا إليه مرة أخرى و بدأوا فى العزف لمدة دقيقة فيما تتغير المشاهد بين من يحاول النجاة ومن استسلم للقدر المحتوم،القبطان، زوجان كبيران فى السن، أم تُطمئن أطفالها وتدعوهم الى النوم فى الفراش...الخ.

عازف الكمان يدعى واليس هارتلى، بالطبع غرق هو والكمان مع باقى أفراد المجموعة وباقى الركاب، بعد سنوات تم استخراج الكمان الذى يعتبر أكثر القطع الغارقة مع السفينة سعرا حيث تم بيعه فى مزاد بعد مائة وواحد عام من غرق السفينة بمبلغ 1.7 مليون دولار، الكمان به قطعة معدنية مكتوب عليها اهداء من خطيبته «ماريا» له، أى أن ا لكمان كان هدية للعازف واليس، ترى هل كانت ماريا على سطح المركب أم أن مصيرًا آخر كان ينتظرها.

مشهد العزف يتم الاستدلال به أحيانا على «اللا مبالاة» أو عدم الاهتمام بترتيب الأولويات، فكيف يكون الموت والغرق والمصير ولاتكون محاولات النجاة هى الفعل المطلوب، والحقيقة انه بالرغم من هذا الاستنتاج أو الاستهجان السطحى للفعل إلا أن الأمر أعمق من هذا بكثير، فاحتماليات النجاة فى حالة تيتانيك كانت شبه معدومة، حتمية الموت توجب البكاء والنحيب وذلك بعد الوصول الى مرحلة اليأس من النجاة، ويستمر هذا البكاء والنحيب حتى تمتلئ الرئتين بالماء المالح وتصعد الأرواح الى بارئها.

العازفون كان لهم رأى آخر، طالما أن الموت محتوم و طالما أن النجاة غير واردة فلماذا لا يقضون آخر لحظات حياتهم فى أمر يحبونه ويستغرقون فيه تمامًا حتى يحين الأجل وهذا ما تم بالفعل.

والآن لماذا لا نفعل مثلما فعلوا ليس قبل دقائق من الموت و لكن فى كل لحظة نعيشها دون انتظار و دون السؤال هل هذه هى اللحظة المناسبة أم لا.