الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كيف نكون خير أمة أُخرجت للناس؟

كيف نكون خير أمة أُخرجت للناس؟

يقولون إنه فى أوروبا والدول المتقدمة إذا ما أراد شخص (ما) ــ من عامة الشعب  ــ أن يقوم بطلاء واجهة منزله، فيجب عليه أن يقوم باستطلاع  رأى جيرانه فى «اللون» الذى سيتم الطلاء به، وذلك حتى لايُزعج جيرانه ويكون مصدرًا لما يسمونه بـ»التلوث البصرى!



 وهؤلاء البشر ليسوا من عجينة أخرى من عجائن الجنس البشرى، ولكنهم ـ هناااااااك على الجانب الآخر من البحر ــ يحترمون حقوق الإنسان ويُعدونها من الثوابت غير القابلة للتجزئة، سواء كانت حقوقًا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فكلها عبارة عن «حلقات  متشابكة» فى سلسلة طويلة  تعطى القدوة والمثال والترجمة الحقيقية لمعنى كلمة «حقوق الإنسان». 

 فالبون شاسع بين حقوق «الفرد» وحقوق «الإنسان»! وبخاصة فى مجموعة الدول التى يطلقون عليها لقب «العالم الثالث» ــ ومصر فى القلب منه ــ، ويطلقون عليها أيضًا رصاص العنصرية وقنابل الدخان والجراثيم، ويصدِّرون إليها كل المنتجات المُسَرْطَنَة والمُسَرْطِنَة (بفتح الطاء وكسرها)، ويُعدون البشر على أرضها بمثابة فئران تجارب فى «معامل» أوروبا والدول المتقدمة، لأن سكَّان أوروبا ـ فى نظرهم ــ من صُلب الجنس «الآري»، ويحملون جينات أول نطفة من «أبونا آدم»، لذلك فهم يحتلون خريطة دول «العالم الأول» بلا منازع!  كان كل هذا الحديث وهذه المقدمة الطويلة عما يسمى بـ”التلوث البصرى”، فما بالنا بمصادر “التلوث السمعى” فى شوارع وحوارى وأزقة مصرنا المحروسة؟ 

 ومصادر “التلوث السمعي” كثيرة متعددة، تكمُن فى أبواق السيارات المتواصلة “عمَّال على بطَّال” وبخاصة من مافيا “ميكروباصات” النقل الداخلى، إضافة إلى نداءات الباعة الجائلين على بضائعهم من كل صنف ولون، وكذا قرقعة مطارق الحدادين أمام الورش الصناعية المغروسة فى قلب المدينة بين الأحياء السكنية، ناهيك عن أصوات المعارك الكلامية الصاخبة، تلك المعارك التى  قد ــ تنشب بين الحين والحين بخصوص بعض المشاكل التافهة والمتأصلة فى تركيبة المجتمع.. وكل مجتمع.

 ولكننا نستطيع أن نضع كل “المؤثرات “ الماضية فى حُزمة واحدة، ونضع فى “حُزمة منفردة” مسالة “التلوث السمعى” القادم على مدى أربع وعشرين ساعة من ميكروفونات المساجد والزوايا  القابعة ـ باسم الدعوة للدين الحنيف ــ تحت البيوت، لتشدَّك ـ من عز النوم ـ فجرًا وظهرًا وعصرًا ومغربًا وعشاءً ، ناهيك عن “حديث العصر” الذى يمتد حتى قيام المؤمنين لصلاة المغرب حتى أذان العشاء بحول الله وقوته!

 ولنا أن نمنحك الدعاء بالرحمة إذا قمت ــ حاشا لله ــ بمجرد إبداء الاعتراض على الأصوات المرتفعة من تلك الميكروفونات العملاقة المدعمة بالعديد منها فوق أسطح البنايات لإيصال الصوت من القاهرة إلى مكة والمدينة المنورة وبلادٍ تركب الأفيال والتوك/توك، ولننال رضا وعفو ودعاء تجار الدين والأدعياء الذين يلتحفون بالعباءة الخادعة، والدين منهم برىء!

ولأن حق الفرد داخل مجتمعه ودولته.. هو الهدف المبتغى، فلنا أن نسأل: أين حق الفرد فى الراحة داخل بيته مثلًا إذا ما أحاطه  ضجيج الجيران والميكرفونات، ونداءات الباعة الجائلين...إلخ ، والأعراف والقوانين تؤكد أن نجاح الدولة يقوم على أداء الأفراد، وإذا لم توفر لهم الراحة والسكينة فكيف سيكون أداؤهم فى العمل وخدمة البيئة تحت الأضواء مع كل أطراف المجتمع  المحيط بهم؟

 يقول الأطباء وعلماء الاجتماع : إن التأثيرات الصحية الناجمة عن الضوضاء هى عبارة عما تحدثه  المستويات المرتفعة من الأصوات على الصحة  وما تعكسه على النفس والروح  من تبعات، فهم يحذرون من حدوث الضجة فى مكان العمل وزيادة معدلات الحوادث داخل المصانع والورش، وذلك نتيجة الإصابة بضعف السمع وربما الوصول إلى “الصمم” الكُلِّي، مع الإصابة بارتفاع ضغط الدم، والإصابة بالاكتئاب، وحدوث بعض التلـبُّــكات المعدية والمعوية، والتغيرات فى الجهاز المناعى نتيجة الضوضاء تؤثرعلى صحة المواليد الجُدد وتشويه الأجنَّـة فى بعض حالات الضوضاء التراكمية الشديدة، هذا بخلاف ما يحدث من الاضطرابات أثناء النوم.. وربما حدوث الإرهاصات التى تؤدى لا قدَّر الله ــ إلى الموت.

وأخيرًا.. ونحن نتناول هذه الظاهرة المؤثرة والخطيرة فى حق أرواح  ونفوس البشر داخل المجتمع، فإننا ــ بكل الجديَّة ــ نطالب الدولة بأجهزتها السيادية المعنية بوسائل النقل الداخلى (سواء التابعة للدولة أو المملوكة للأفراد أصحاب الميكروباص المشهورة بلقب: عفاريت الأسفلت) تشديد  العقوبات على استخدامات آلات التنبيه بغير الضرورة القصوى، وكذلك  سرعة  إصدار تعليمات “وزارة الأوقاف” لمصادرة ما يزيد على الحاجة من آلات  الميكروفونات المزعجة، واقتصارها على إذاعة “الأذان” بالصوت الهادئ الرصين، والعمل بقول الله عز وجل ـ حين خاطب الرسول عليه الصلاة والسلام   فى قرآنه الكريم :

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (الحجرات - 4)

نناشدكم.. بكل الأعراف والتقاليد والقوانين السائدة فى مجتمعاتنا المصرية العريقة، تلك المجتمعات التى وضعت اللبنة الأولى لمفهوم الدولة والمجتمع، والله من وراء القصد من أجل رفعة مصرنا المحروسة، ومد يد العون لقيادتنا السياسية الوطنية المخلصة لتحقيق توجهاتها لحرية الفرد وكرامته، وحتى يكون للبشر القدر الأكبر فى المساهمة بالدعم لاستكمال المشروعات القومية الكبرى.. لنكون ـ بحق ـ خير أمة أخرجت للناس.