الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإنسان ذو البعد الواحد

الإنسان ذو البعد الواحد

منذ 58 سنة وتحديدا فى عام 1964 صدر كتاب مهم للفيلسوف الألمانى الحاصل على الجنسية الأمريكية هربرت ماركيوز بعنوان «الإنسان ذو البعد الواحد» وعلى الرغم من ميوله اليسارية إلا أن الكتاب لم ينتقد النظام الرأسمالى فقط بل تطرق أيضا إلى بعض من عيوب النظم الاشتراكية أيضا وإن كان التركيز بصورة أكبر على النظم الرأسمالية ومدى تأثيرها على مواطنيها وصولا بهم إلى أحادية التفكير وأحادية الأحلام والدوافع أيضا.



وينتقد الكاتب أسلوب أحادية المجتمعات والذى تتمثل بصورة أكثر وضوحا فى المجتمعات الرأسمالية من حيث تأثيرها على سلوك المواطنين وتحولهم إلى كائنات استهلاكية متوحدة فى أهدافها وأغراضها وتطلعاتها والتى تقل فيها نسب الموضوعية والعقلانية والحاجة الحقيقية لتلك المنتجات والحاجات وذلك بسبب التوجيه الذى تقوم به وسائل الإعلام والحملات التسويقية.

الكتاب موجود ورقيا ومتاح إلكترونيا على شبكة الإنترنت لمن يرغب فى الاستزادة من الفكرة وتفاصيلها ولكن دعونا ننقل هذه الفكرة إلى عام 2022 ونرى كيف وصل تأثير النظم الاقتصادية وأيضا الانتقال من العصر الصناعى إلى عصر المعلومات والتحرك نحو الثورة الصناعية الرابعة لنرى كيف أثرت ثورة المعلومات وإتاحة البيانات والتواصل الاجتماعى بين البشر على العادات والتقاليد والسلوكيات وساهمت فى ترسيخ مبدأ الإنسان ذو البعد الواحد الذى لا يقبل الاختلاف ولا يرى أى امكانية للتعايش والنجاة بعيدا عن النمط الموحد الجديد الذى ساهمت تلك الثورة فى ترسيخه.

وهنا لا أستثنى أى منطقة من العالم ولا أتحدث بصورة محددة عن مصر أو عن المنطقة العربية مثلا، ولنأخذ مثالا على شكل الإنسان ذى البعد الواحد ولنبدأ من الناحية الجسمانية للرجل أو للمرأة، الرجل على سبيل المثال يجب أن يكون طويلا ممشوق القوام مفتول العضلات يرتدى ساعة رياضية ويتحرك كثيرا ويلقى بالكلمات اللطيفة الظريفة طوال الوقت ويا حبذا لو اقترن ذلك بابتسامة هوليودية Hollywood Smile ناصعة البياض، فلا يوجد هنا مكان لرجل قصير أو اصلع أو مترهل البطن والعضلات، أمر مشابه نجده فى الأنثى ذات البعد الواحد المطلوبة لهذا العصر فنجدها أيضا ذات شعر طويل وقوام ممشوق يصل إلى حد النحافة مع امتلاء للوجه والشفاه ونفس الابتسامة البيضاء، وهنا أيضا لا مكان للأنثى الطبيعية التى ربما تفتقد لواحدة أو أكثر من الصفات السابق الإشارة إليها ولو بحكم “خلقة ربنا” الذى قسم الأرزاق بين عباده ومنها الشكل وخلافه.

الإنسان ذو البعد الواحد يشعر أن الحياة لن تستقيم بدون تلفاز ذكى لا يقل عن 55 بوصة وهاتف ذكى كبير الحجم عليه علامة التفاحة.... إلخ.

هذا الإنسان ذو البعد الواحد عندما يتحدث إليك عن غلاء الأسعار فإنه يستشهد دائما بما وصل إليه سعر كيلو «البانيه» معطيا الإيحاء أنه إن لم يكن البانيه على السفرة يوميا فإن احتمالات الحياة ستقل إلى النصف على الأقل.

إنسان هذا العصر يجب أن تسمح له ثورة المعلومات من بناء الوعى الذى يحرره من سيطرة العوالم التى تقاتل لتبقيه أحادى البعد فى الحياة وفى شكل المدفن الذى سيوارى فيه الثرى أيضا.