السبت 24 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الصعود إلى الأسفل

الصعود إلى الأسفل

عندما يميل الميزان بين طبقات المجتمع الواحد لصالح طبقة على أخرى فى مجتمع ما،  فإن ذلك يكون مثيرا لتدفق أفكار المفكرين والفلاسفة، فمن خلال رحم الاختلال الطبقى ظهر العديد من المذاهب الفكرية والنظريات، كنظرية “ ماكس فيبر” التى رأى فيها أن التدرج الاجتماعى يعكس التفاعل بين الثروة والهيبة والنفوذ والسلطة، ومن ثم فليس بالضرورة أن يكون الفارق بين الطبقات ينصب على المعيار الاقتصادى، فالبعض الذى ينتمى للطبقة الارستقراطية قد يمتلك السلطة ولا يمتلك المال وبالتالى  فالتدرج الاجتماعى لا يجب أن ينصب بالضرورة على العامل الاقتصادي، وكالفكر الماركسى الذى برز على يد “ماركس” و”فريد ريك انجلز”، الذى رأى أن المجتمع ينقسم إلى طبقتين إحداهما “البرجوازية” ويملكون وسائل الإنتاج والأخرى طبقة “البروليتاريا” أو الطبقة العاملة، وتتميز العلاقة بينهما بوجود صراع دائم، ومن ثم يدعو هذا الفكر إلى تبعية وسائل الإنتاج للدولة، وحصر الملكية بيدها للوصول إلى المساواة الاجتماعية بواسطة المساواة الاقتصادية لمواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالى تحديد نطاق ملكية الموسرين لصالح أفراد باقى المجتمع –خاصة-  الكادحين لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية .. إلا أن الواقع أثبت أن تلك النظرية لم تثبت جدواها؛ فلا أصحاب الطبقات الكادحة تبدلت أحوالهم وارتفع مستواهم المعيشى؛ ولا المساواة المنشودة تحققت، بل خلف السير فى هذا الاتجاه الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بين كل طبقة على حدة؛ وبين الطبقات بعضها البعض؛ وأدى فى نهاية الأمر إلى نشوء مجتمعات ممزقة الأوصال مشوهة المعالم، فأصحاب هذا الفكر فاتهم أن تطبيقه من شأنه أن يجعل الطبقة العليا حتما ستشعر بأن حقوقها سلبت منها، وبالتالى ستفتقد للثقة فى الاستثمار الآمن؛ وسينظر أصحاب هذه الطبقة لبعضهم البعض بعين الريبة خاصة فيمن أفلت بأمواله من الإجراءات الاستثنائية التى تتخذها الدولة ضدهم، أما الطبقة الكادحة فلن تهنأ بما أتى لها من الطبقة العليا – إلا لوقت قصير الأمد - لأن إضعاف الطبقة العليا بما تملكه من وسائل الإنتاج سوف يترك آثارا وخيمة على الاقتصاد الوطنى بصورة عامة، وبالتالى ما يتم الاحتفاظ به للطبقة الكادحة لن يسد رمقها على المدى الطويل بل سيترك آثاره السلبية على الحالة الاقتصادية بصورة عامة وعلى ثقافة أبناء هذه الطبقة بتكريس مفهوم الحصاد بلا عناء، وبالتالى سوف يتم إلقاء اللوم منها بصورة مسبقة ودون تنقيب أو تدقيق - على أداء الحكومات واتهامها بالتقصير فيما يعنيها وما لا يعنيها مع كل أزمة أو مشقة أو محنة، وسيترتب على ذلك ترسيخ مفهوم الحصول على الأشياء بلا كد أو جهد، وتلمس الطرق التى تؤدى إلى الالتفاف والتحايل للوصول إلى المصالح بغير الطرق المقننة أو المشروعة؛ لأن فكرة الحصول على الأشياء بغير جهد سوف تصبح راسخة ومتأصلة فى اللاوعى لدى أبناء الطبقة الكادحة ومن يصعد منهم إلى الطبقة العليا، وإن بدا المرء منهم متمسكاً بالمبادئ وتوجيه النقد لما يتنافى مع الطريق السوى؛ الذى سيصبح من وجهة نظرهم ما يتفق مع مصالحهم فقط؛ دون النظر إلى مصالح الدولة الكلية، وبلا شك سيمتد أثر هذا المفهوم إلى فئة واسعة من الموظفين الحكوميين للتجاوب مع ضعفاء النفوس مع أصحاب المصالح؛ وينجرف الكثير منهم تحت وطأة  الإغراء إلى تحقيق الثراء السريع بطرق غير مشروعة دون شعور بالذنب، كما سيترك آثارًا بالغة على أدائهم حال تعاملهم مع الطبقة الكادحة، وسيتغلغل إليهم نظرة الاستعلاء – باللاوعى - تجاه هذه الطبقة لشعورهم بأنهم الوسيلة المؤدية لحصول هذه الطبقة (الكادحة) على عطايا ينالونها دون كد أو جهد أو اجتهاد و سينتقل هذا الشعور لغيرهم من الموظفين ليشكل الصورة الذهنية التى بها ينظر الموظف الرسمى للمواطن، وبالتالى سيتفشى مفهوم الاتجار والتلاعب بمصالح الكادحين ويتم استغلالهم من أجل تحقيق مصالح خاصة، وستتأثر بيئة العمل وتتراجع أداء جميع المؤسسات وتصيبها أضرار فادحة، وتتقهقر المؤشرات الاقتصادية، ويتراجع أصحاب الكفاءات ويتقدم المتسلقون والمنتفعون الصفوف، ويقع الشقاق والصراع والانقسام بين طبقات المجتمع المختلفة.. وعلى النقيض مما سبق؛ فإذا اقتصر دور الدول على التخطيط الجيد والمتابعة المتميزة ،والحفاظ على الموارد الطبيعية للدولة، وتقديم الخدمات العامة وتطويرها(كالصحة والتعليم)، وتلبية الاحتياجات الحيوية لغير القادرين، وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية، والحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع وإبرازها، وتعزيز الشعور بالانتماء والسمو بالهوية الوطنية، مع تعظيم دور القطاع الخاص والعمل على اتساع إسهامه فى تملك وسائل الإنتاج، وترسيخ مبدأ المنافسة والابتكار، ومفهوم المثابرة والاجتهاد، فإن الأمر سيعنى الكثير نحو تحقيق آمال الأمم وطموحها.