الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لتسكنوا إليها

لتسكنوا إليها

لم يعد الزواج حلم الشباب، ولم يعد من ضمن الأولويات فى العصر الحالى، فهو هم كبير ومسئولية يجب الاستعداد لها جيداً، كما أنه مشروع مكلف على أى حال، لاسيما مع مغالاة الكثير من الأسر فى طلباتها، بحجة أن ما يأتى بالساهل يذهب أيضاً بالساهل، ويرى البعض أنه من الضرورى أن يتعب الرجل ويدفع دم قلبه ويصرف كل ما فى جيبه لبناء بيت الزوجية، فهذه طريقة مضمونة ومجربة، من وجهة نظر هؤلاء، للحفاظ على البيت وعدم التفكير نهائياً فى الطلاق، ولكنه بالطبع تفكير ساذج وسطحي، فالطلاق يقع سواء دفع الرجل أم لم يدفع إذا كان الاختيار خاطئا منذ البداية.



يشهد المجتمع المصرى تزايداً مرعباً فى حالات الطلاق، ووفقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تحدث كل دقيقتين حالة طلاق واحدة، الأمر الذى قد ينذر بكارثة كبرى ويهدد استقرار الأسرة بشكل يقتضى معه حل غير تقليدى من جانب كل مؤسسات الدولة، ولعل مبادرة «لتسكنوا إليها» التى طرحها الأزهر الشريف مؤخراً للقضاء على الأسباب التى تؤدى إلى الطلاق، والعادات السيئة المتبعة فى الزواج، وتيسير الأمور المتعلِّقة به، ومواجهة المغالاة فى تكاليفه، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية التى تعانى منها مصر، ما يشكل بادرة أمل وخطوة مهمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لاسيما وأن المبادرة تعمل على ثلاث مراحل مهمة، المرحلة الأولى هى فترة الخطبة، ومن أهم ملامحها قصر مراسم الخطبة على قراءة الفاتحة، مع حضور درجات القرابة الأولى وشراء دبلة فقط، وضبط اللقاء بين المخطوبين بحضور الأهل، وعقد جلسة نقاشية أسبوعية بين الجانبين فى إدارة أسرة المستقبل، والتقليل من الهدايا المتبادلة لتظل رمزاً للمودة لا للمفاخرة ولا لتكون ضغطاً على أحد الطرفين، مع عدم تطويل فترة الخطبة بشكل يؤدى إلى وقوع بعض المشكلات، وكذا الاتفاق على كل مصروفات وتكاليف الزواج خلال فترة الخطوبة وقبل كتب الكتاب.

أما المرحلة الثانية فهى الإعداد للزواج، وهى المرحلة الهامة من وجهة نظرى لأنها سيترتب عليها مرحلة الزواج، وتتضمن هذه المرحلة الحصول على دورة مكثفة للزوجين فى التأهيل الأسرى، وأرى أنه يجب أن تكون إجبارية وحقيقية وليست صورية كما فى حالة الكشف قبل الزواج الذى كانت تضرب أوراقه ويخرج الكشف بلائق دون حدوث كشف من الأساس، كما تتضمن هذه المرحلة الاقتصار على كتابة المنقولات الفعلية دون مبالغة، واختيار مسكن الزوجية بالتوافق بين طرفى الزواج حسب الاستطاعة، والاتفاق على الذهب بالقيمة وإثباته فى قائمة المنقولات بالقيمة لا الجرامات، وتأجيل ما يمكن تأجيله من أثاث، والاقتصار على الأجهزة الضرورية، والاقتصاد فى «الكسوة»، وإلغاء الأجهزة الكهربائية غير الضرورية، وكنت اتمنى أن تتضمن هذه المرحلة أيضاً الكشف على القوة العقلية للزوجين وعلاجهما من أى اضطرابات أو أمراض نفسية يعانى منها أحدهم.

وتتضمن المرحلة الثالثة والأخيرة وهى الزواج، إقامة مراسم الأفراح على قدر الاستطاعة، وعدم التقيد بمظاهر ومغالاة مرهقة، وأن يقتصر نقل جهاز العروسة على سيارة واحدة وبدون مدعوين، وإلغاء عادات تكاليف الضيافة الباهظة أثناء الفرح، وإلغاء «سيشن التصوير» و«شهر العسل» وكسوة الأهل من الجانبين، وعدم المبالغة فى الزيارات اليومية والعزومات والهدايا الباهظة أثناء التهنئة بالزواج.

وأعتقد أن بنود هذه المرحلة يجب أن تكون اختيارية، فالعروسان اللذان يريدان عمل سيشن تصوير والسفر فى شهر عسل فهذه حريتهما طالما توافرت المقدرة المادية، دون إلزام أو إجبار الزوج بالطبع والاتفاق هنا ضرورى للغاية لأن كثيرا من الزيجات قد تنتهى بسبب أمور تافهة متعلقة بشهر العسل أو ما شابه.

كنت أتمنى ان تكون هناك مرحلة رابعة للمبادرة وهى «ما بعد الزواج»، على أن تتم متابعة الزوجين فى أول عامين من الزواج، والاطمئنان على كيفية حل مشاكلهما معا ومساعدتهما فى ذلك من خلال مكاتب المشورة الأسرية التى يجب أن تنتشر فى كل حى وكل مدينة وكل محافظة، مع أهمية استمرار المتابعة مرة كل ستة أشهر أو عام حسب الرغبة، مع اقتراح تأجيل الإنجاب لفترة من الوقت حتى يشعرا أنهما مستعدان لتحمل مسئولية أخرى جديدة، والهدف من كل هذا هو الحفاظ على الأسرة والعمل على استمراريتها وعدم وقوع الطلاق الذى أصبح شيئاً سهلاً للغاية مع أنه كان شيئاً صعباً معيباً فى السابق، فيجب تعظيم قيمة الأسرة مرة أخرى والحث على أهمية الزواج وفوائده، «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون».