الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المستريح الرقمى

المستريح الرقمى

يبدو أن ظاهرة المستريح - إن جاز التعبير عنها بالظاهرة - ليست خاصة ببلادنا فقط فبالرغم من القبض على عشرات المستريحين وهروب عشرات آخرين بدون أى عقاب وبالتالى بدون أى رد لأموال العملاء فإن الأمر لا يبدو أنه سينتهي.



الشيء الكوميدى والعجيب هو تنوع الأنشطة التى يقنع المستريحون بها العملاء متحدثين عن نسب فوائد قد تتخطى تلك التى يمكن الحصول عليها من خلال الاتجار فى المخدرات إلا أن النفس البشرية عندما تصاب بالجمع فإنها تصاب بالعكس أيضًا مع الكثير من عدم المنطقية وعدم الموضوعية مما يجعلهم يصدقون أن الاتجار فى المواشى أو كروت الشحن أو تصدير جلد البط واللوز إلى الصين سيأتى إليهم بفائدة سنوية قد تصل إلى ٥٠٪ أو تتخطى ذلك أيضًا.

وللأمانة فإن الأمر ليس بهذه السذاجة و السطحية ،بل يتطلب من المستريح الكثير من التسويق والإقناع والمناورات العقلية والمباريات النفسية لكى تصل فريسته فى النهاية إلى حالة من الهستيريا تدفعها إلى التوسل إليه لكى يستثمر لها المزيد من الأموال فى تلك التجارة الجديدة التى غابت عن خبراء الاستثمار و دراسات الجدوى والبنوك وجهات التمويل و خلافه.

تذكرت ذلك الأمر عندما بدأت الأخبار العالمية تتحدث عن انهيار فى أسعار العملات المشفرة خلال النصف الأول من العام الحالى انهيارًا يصل إلى حوالى ٥٥٪ من متوسط قيم تلك العملات عند بداية العام.

وفى هذا السياق أيضًا فوجئت بأن أعداد تلك العملات قد قفز إلى حوالى ١٩ ألف عملة وهى التى كانت من قبل فى حدود ٤ آلاف إلى ٧ آلاف عملة منذ سنوات قليلة وهو ما أثار تحفظ الخبراء وتساؤلاتهم عن مدى الحاجة إلى ١٩ ألف عملة على أية حال مهما انتعش الاقتصاد الرقمى و مهما كبر حجمه و تعددت أنشطته.

أما عن أشهر تلك العملات الرقمية -عملة البتكوين - والتى بدأت عام ٢٠٠٩ بقيمة لا تتخطى سنتات قليلة-أقل من الدولار - وصولًا إلى قيمة تتخطى حاجز الـ٦٧ ألف دولار فى نوفمبر من العام الماضى ثم شهدت ذلك الانخفاض الكبير الحالى وصولًا إلى حوالى ٢٣ ألف دولار للعملة الواحدة وهو بالطبع ما يشير إلى فقدان وخسارة المستثمرين فى تلك العملات لفروق القيم الكبيرة وهو ما يجعلهم أيضًا ضحايا لذلك المستريح الرقمى الذى لا نستطيع أيضًا أن نقتنع بأسباب ارتفاع قيمته بهذه القيم  المجنونة فى فترات حقيقية وتحوله من أداة للبيع والشراء إلى سلعة فى حد ذاتها وهو أمر لا يمكن منعه ولكن على الأقل يجب تحجيمه حتى تستمر تلك العملات المشفرة فى البقاء أو تنتهى إلى الأبد ويستمر اعتماد الاقتصاد الرقمى على العملات الطبيعية وتعود السيطرة للبنوك المركزية مثلما كانت و لاتزال تأمل فى ذلك.