السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 100

لغة الجينات 100

كما لكل بداية نهاية.. هذه نهاية السلسلة التى عشت معها لما يزيد على العام والنصف.. فى الظاهر هذا هو المقال الأخير.. وفى الباطن ستظل لغة الجينات أسلوب حياة، ألزم به نفسى، أعيش به وله.



«الكرامة» أغلى ما يمتلكه صاحب الجينات الأصلية .. هى الرفعة وعزة النفس والكبرياء، هى الابتعاد عن كل ما يكسر النفس ويهينها، ويقلل من تقديرها واحترامها.

أيضا “التفاؤل” لدى صاحب الجينات الأصلية أسلوب حياة... ثقة وأمل فى بكرة.. نجاح قادم لا محالة.. قدرة على اتخاذ قرارات مصيرية ببساطة وسرعة.. قرارات يحكمها شيء وحيد هو الحفاظ على الكرامة.

“التفاؤل” اتزان فى السلوكيات، قدرة على مواجهة الصعاب.. فالمتفائل شخصية إيجابية متقبلة نفسها، ومتقبلة الآخرين، ولها القدرة على الفعل الذى يدفعها إلى الأمام “تفاؤل” صاحب الجينات الأصلية نابع من قدرته على إدارة الأزمات والضغوط... ثقته فى نفسه التى هى بلا حدود.

“الثقة بالنفس” منحة أخرى لا يحصل عليها سوى صاحب الجينات الأصلية.. نور يضيء لك الطريق.. سند وحافز لتحقيق كل ما تريد.. فالواثق فى نفسه شخص يحترم ذاته ويقدّرها، ويحبها ولا يؤذيها، ويدرك كفاءاته، ويثق بقدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة.

“ثق بنفسك” لا تقارن قدراتك بأحد فما لديك يتمنى صاحب الجينات الخبيثة أن يمتلك عشرة فى المئة منه.. يستميت لينعم بلحظة يكون فيها قريبا مما تملك فهو يعلم أن ما تملكه لن يناله أبدا فهو بلا كرامة بلا أمل بلا ثقة حتى لو بدا فى الظاهر نال ما يريد.. فى الباطن يظل ذليل متشائم مهزوز لا معنى لحياته ووجوده دون سيد يكون له سند فيصير له عبد.

“الثقة بالنفس والتفاؤل والكرامة” لدى صاحب الجينات الأصلية تنأى به من الدخول فى سباقات مع من لا يشبهونه.. لا يريد أن يتنافس على شىء فهو مؤمن بأن أصحاب الجينات الخبيثة فقط هم من يتسابقون ويتنافسون على الفتات.. يقتاتون لا شىء.. أدمنوا الجدال والاستسلام... توقفوا عن الحلم..

يعطونا دليلا واضحا على مقولة “لا تتسابق مع الحمير.. لأنك إذا خسرت ستصبح حمارًا خاسرًا.. وإذا فزتَ ستصبح أفضل حمار”.

“الثقة بالنفس والتفاؤل والكرامة “ اجتمعت لدى الشيخ سليم البشرى صاحب الجينات الأصلية والذى تولى مشيخة الأزهر مرتان  الأولى بين عامى 1899 و1903، والثانية بين عامى 1909 و1916.

“الشيخ البشرى” واحد من المجددين العظام.. فعندما بدأت عملية اصلاح الأزهر فى عهد الشيخ حسونة النواوى كان الشيخ سليم البشرى فى مقدمة العلماء الذين وقع عليهم الاختيار لعضوية مجلس إدارة الأزهر مع الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان وغيرهم من كبار العلماء.. وظل عضوا بها حتى تم اختياره ليكون شيخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبدالرحمن النواوى.

“منصب كبير رفيع يسعى له الكل.. لكن الشيخ البشرى يرفضه ويصر على الاعتذار متحججا بسنه الكبير وحالته الصحية.. يسعى المنصب إليه وهو يتهرب منه.. ومع إلحاح العلماء عليه يقبله بعزة نفس وكرامة وتفاؤل فى صناعة مجد جديد للمشيخة.

4 سنوات كاملة فى المنصب الكبير ولم يتغير فى الشيخ شىء.. ظل فى بيته بالسيدة زيب وظل البيت مفتوحا للطلبة يسعوا إليه فى أى وقت ليستزيدوا من علمه.

“كرامة” الشيخ البشرى دفعته للتخلى عن المنصب الحلم الذى يسعى إليه الجميع ببساطة شديدة قدم استقالته عندما تدخل الخديو عباس فى شئون الأزهر... وقتها رفض الخديو اختيار الشيخ البشرى. لأحد العلماء - وهو الشيخ أحمد المنصورى - شيخًا لأحد أروقة الأزهر،  طلب الخديو من الشيخ التراجع فى قراره واختيار شخص آخر.. بشجاعة كبيرة رفض الشيخ طلب الخديو وقال لمن أرسلهم الخديوى لإبلاغه: «إن كان الأمر لكم فى الأزهر دونى فاعزلوه، وإن كان الأمر لى دونكم فهذا الذى اخترته ولن أحيد عنه».

الرسالة المليئة بالكرامة وعزة النفس وصلت الخديو فأرسل له من يقول: “إن تشبثك برأيك قد يضرك فى منصبك”، فقال الشيخ الإمام: «إن رأيى لى، ومنصبى لهم، ولن أُضحى لهم ما يدوم فى سبيل ما يزول”.. هكذا ببساطة وبمنتهى الكرامة وعزة النفس قدم  الشيخ البشرى استقالته.. ترك المنصب الأهم والأرفع والأقوى “شيخ الجامع الأزهر”.

تدهورت أحوال الأزهر بشدة وألب به جميع العلماء.. سعى المنصب إليه من جديد فقبله بعزة نفس وكرامة وأمل وتفاؤل فى عملية إصلاح قادها بنجاح شديد.

لم يتغير الشيخ البشرى ظل مجددا يقول الحق لا يخشى ملك أو سلطان أو حتى من سموه الخليفة العثمانى... فى عهده حدثت مجزرة “أضنة” والتى أباد فيها الأتراك الأرمن وارتكبوا مذابح وجرائم بإسم الإسلام.

وقتها أصدر الشيخ الجليل بيانا أدان فيها المذابح والجرائم ونشره فى جريدة المؤيد أول جريدة يصدرها مصرى هو الشيخ على يوسف.

المؤيد نشرت بيان الشيخ الجليل خلال أيام 25 و26 و27 إبريل 1909 فى إصدارها اليومى.. ثم فى عددها الأسبوعى الصادر يوم الجمعة 28 أبريل.. وجاء فى نص كلمة شيخ الأزهر: “وبعد فقد طالعتنا الصحف المحلية على أخبار محزنة وشائعات سيئة عن مسلمى بعض ولايات الأناضول من الممالك العثمانية، وهى أن بعضهم يعتدون على المسيحيين فيقتلونهم بغيًا وعدوانًا، فكدنا لا نصدق ما وقع إلينا من هذه الشائعات ورجونا أن تكون باطلة، لأن الإسلام ينهى عن كل عدوان ويحرم البغى وسفك الدماء والإضرار بالناس كافة، المسلم والمسيحى واليهودى فى ذلك سواء، فيا أيها المسلمون فى تلكم البقاع وغيرها احذروا ما نهى الله عنه فى شريعته الغراء، واحقنوا الدماء التى حرم الله إهراقها ولا تعتدوا على أحد من الناس فإن الله لا يحب المعتدين”.

كن أنت واثق بنفسك ستصل لكل ما تحلم به... لا ترضى أن تكون شخصا مهمشا..  قوتك تكمن فى تقديرك لذاتك واحترامك  لقدراتك وبأنك تستحق الأفضل.

كن أنت.. وأعلم أن التفاؤل فى أحلك الظروف وأشد الأيام قساوة ومرارة وبؤسًا، هو رسالة إيجابية لا يفهمها سوى صاحب الجينات الأصلية بها يستعيد عافيته، يجمع أفكاره.. وبها تستنهض كرامته قدرتها على التغيير  للأفضل وعدم الاستسلام  للواقع المرير.