لا تسخر من دون كيشوت
أحد أشهر الأعمال الأدبية الإسبانية هى رواية «دون كيشوت» والتى ربما لم يقرأها الكثيرون ولكنها مشهورة ببطلها الذى كان يحارب طواحين الهواء ظنا منه أنها من الأعداء أو أنها وحوش أسطورية يجب التخلص منها من أجل عالم أكثر سلما وتناغما.
مختصر القصة يحكى بعدا آخر قد يفسر هذه التصرفات التى اصطلح على اعتبارها التجسيد الأدبى لمن يحارب الأوهام التى خلقها بنفسه ولا وجود لها على أرض الواقع، فبطل الرواية والذى يدعى ألونسو كيكسانو لديه مزرعة ولديه من المال ما يمكنه من البقاء عاطلا بلا عمل مما يمكنه من قضاء وقته فى القراءة والاطلاع، فيقرأ فى الروايات التى تتحدث عن الفروسية والفرسان خاصة فرسان القرون الوسطى المشهورون بالنبل ونصرة الحق ومحاربة الباطل بكل صوره ولا يخلو الأمر أيضا من بعض القصص الغرامية لهؤلاء الفرسان ومدى جاذبيتهم التى تظهر فى علاقاتهم مع الأميرات وبنات الطبقات العليا، ومع المزيد من القراءة يتمنى ألونسو أن يصبح فارسا، فيغير اسمه إلى «دون كيشوت» ويمتطى صهوة فرسه ويتجول فى القرى معتقدا أن طواحين الهواء ما هى إلا مجموعة من الأشرار أو وحوش أسطورية تجب محاربتها و القضاء عليها، ثم يتخذ له رفيقا يدعى سانتشو يشاركه فى تلك الحروب، ثم عندما أدرك الناس أوهامه وجنونه حاولوا علاجه إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل وانتهى به الأمر ميتا على فراشه نتيجه إصابته بحمى شديدة.
قصة حياة دون كيشوت للأسف الشديد أراها تتكرر أحيانا هذه الأيام ولكن بصورة رقمية، حيث يستخدم البعض شبكات التواصل الاجتماعى للحصول على المعلومات والأخبار ثم يتطور الأمر إلى الدخول فى مباريات وحروب وصراعات من خلال المنشورات والتعليقات متصورين أنهم يقومون بالقضاء على الجهل والخرافة والشر بجميع صوره وأشكاله وأن ما يقومون به هو الصواب وأن خلاف ذلك هو الباطل المبين، بالطبع لا يمكن التعميم بوصف كل من يدلى بدلوه فى أى موضوع بأنه دون كيشوت رقمى مصيره الموت محموما ولكن للأمانة فإن الكثير منا يحتاج إلى مراجعة معاركه الافتراضية وانتقاء المفيد منها بالفعل، فهل نمتلك شجاعة البدء فى هذا الانتقاء؟... أتمنى هذا.
