الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
غريب الأطوار العصرى

غريب الأطوار العصرى

فى السابق كنا نطلق تعبير «غريب الأطوار» على أى شخص يتصرف بطريقة شاذة أو غريبة عن الطريقة التى يتعامل بها غالبية الناس، ولا يقتصر الأمر على التصرفات الواضحة بل يشمل أيضا الملابس والأزياء وقصات الشعر وأسلوب النظر والضحك ونبرة الصوت وأسلوب السير، كما أن الغموض الذى يجعل صاحبه منعزل عن المجتمع كان يجعل صاحبه يندرج تحت نفس المسمى، الكثير من الحالات لشخص من الجيران، نراه هادئا لا يتحدث مع الآخرين وربما يخرج من بيته ويعود فى أوقات غير معتادة بدون أن يتفاعل مع زى أحد أو يؤذى الآخرين ولكن كنا نعتبره غريب الأطوار أيضا.



لا شك فى أن القيم العامة والعادات والتقاليد المجتمعية هى التى سمحت لنا فى وقت من الأوقات أن نقارن الناس على مقياسها ونوصم من يحيد عنها بهذه الصفة فماذا عن الموقف الآن بعد نحو 30 عاما من تواجد شبكة الإنترنت وبعد 18 عاما من انتشار وتغلغل شبكات التواصل الاجتماعى فى مجتمعنا، أعتقد أن الأمر يختلف كثيرا فما لم يكن مقبولا من قبل أصبح غير ملاحظ  تقريبا فى الوقت الحالى، توقفنا تقريبا عن انتقاد الأزياء والألوان الغريبة باستثناء ارتباط الأمر بالتعاليم الدينية وهو أمر انحصر تقريبا فى عدد من رجال الدين.

قصات الشعر حدث ولا حرج، حاليا قد يتقدم شاب للزواج ويتحدث مع والد العروس الذى قد لا يلحظ أن زوج ابنته المستقبلى لديه «ديل حصان»، أما عن أسلوب الكلام والألفاظ المستخدمة وارتفاع الصوت وطريقة السير والضحك وغيرها فحدث ولا حرج، أما عن الشخص الصامت قليل الكلام غير المندمج فى المجتمع فلم يعد يطلق عليه لفظ غريب الأطوار فشبكات التواصل الاجتماعى خلقت فقاعات فردية يعيش كل شخص داخل واحدة منها بعيدا عن الآخرين ولذا لم يصبح نموذج الشخص الصامت غير المتفاعل غريبا.

الأمر أصاب الشعور والإحساس والذين تبلدوا تقريبا فما عاد أحد يكترث كثيرا لرأى الناس فيه وفى تصرفاته وأسلوبه فى الحديث أو آرائه أو ما يرتديه وهى أمور ومقاربات أدت إلى قرب العديد من تلك التصرفات من أسلوب تفاعل المرضى بأمراض نفسية أو عقلية ولذا فإن اكتشاف أى من تلك الأمراض بات صعبا ويحتاج إلى مجهود كبير فى محاولة تميز التصرفات هل هى تصرفات إنسان العصر الناتجة عن كل التراكمات السابق الإشارة إليها أم أن خللا ما أصاب العقل هو الذى دفع صاحبه إلى تلك الأفعال.

الأسوأ أن يأتى يوما- وما أحسبه ببعيد- يكون فيه الشخص الطبيعى بمقياس الأجيال السابقة هو شخص غريب الأطوار بمقاييس عصرنا الحالى أو السنوات القليلة المقبلة.