الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سبعة تليفونات

سبعة تليفونات

استيقظت الأم صباحًا وتذكرت أنها لا تعرف ميعاد الطائرة القادمة من جينيف والتى يأتى على متنها رجل تجمعها معه علاقة عاطفية، قامت سريعًا تبحث عن الهاتف، تتبعت «سلك التليفون» ووجدت ابنها محمود يتحدث فيه، طلبت منه سرعة الانتهاء لحاجتها للاتصال بشركة الطيران، قامت بإعداد ملابسها ثم عادت تبحث عن التليفون مرة أخرى حيث وجدته مع ابنتها مديحة، طلبت منها سرعة الانتهاء، عادت إلى بعض الأعمال الصباحية ثم عاودت البحث عن التليفون مرة أخرى وهنا وجدت ابنتها مها تتحدث فيه، صرخت فى وجهها بضرورة إغلاق الخط سريعًا وهنا دار جدل سريع حسمته الأم قائلة «مش ناقص إلا أنى أجيب لكل واحد فى البيت تليفون ويبقى عندنا سبعة تليفونات وكل واحد يقعد يتكلم طول اليوم فى التليفون». 



كان ذلك أحد مشاهد فيلم “امبراطورية ميم”رائعة الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، كان ذلك قبل 50 عامًا من اليوم، حينما كان التليفون يستخدم من أجل المكالمات التليفونية فقط، بالطبع كانت تلك الجملة الأخيرة من الأم على سبيل السخرية والخيال، والآن وبعد انقضاء تلك المدة أصبح هذا ما يحدث بالفعل، حيث أصبح لكل فرد من أفراد الأسرة هاتف خاص به –وربما أكثر من هاتف- ولا يقتصر استخدامه على المحادثات الهاتفية فقط بل ربما أصبح ذلك هو آخر ما يتم فعله بهذا الجهاز، أصبح اليوم متاحا لكل فرد من أفراد الأسرة استخدام هذا الجهاز فى التواصل الاجتماعى والدخول على جميع مصادر المعرفة والثقافة والتسلية والألعاب ويتم من خلاله التعرض لثقافات وأفكار متنوعة وأصبح وسيلة لنقل الصوت والصورة ومقاطع الفيديو المصورة والتعرض واستعراض كل تفاصيل الحياة اليومية وعرضها على ملايين من المستخدمين أيضا.

سرحت بخيالى محاولا تصور كيف يمكن أن تكون عليه قصة مثل تلك القصة البديعة إذا تم إنتاجها مرة أخرى هذا العام، حيث سيكون لكل فرد هاتف أو أكثر بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الحواسب الآلية وأجهزة التابلت بمن فيهم الأم نفسها.

ربما تكون القصة الجديدة أكثر بؤسا وأكثر إثارة وخطورة، ستكون أسرة متفسخة لا يعلم أى عضو من أعضائها شيئا عن الآخرين، لن تكون هناك قيم مشتركة ولا تربية ولا توجيه بالقدر الكافى والفعال، فالقيم والتوجيه والتأثير والتأثر  سيكون فرديًا، كل فرد من أفراد الأسرة سيكون قادرًا على تكوين عالم خاص به وسيكون قادرًا على الانغماس فيه حتى أذنيه كما سيكون قادرًا على إخفاء ما يقوم به من أنشطة عن باقى أفراد الأسرة وهنا تكمن الخطورة فى عدم القدرة على بناء وتنمية الضمير القيمى الأسرى اللازم لمكافحة أخطار الحياة المتنوعة والخطيرة.