الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مناعة القطيع الرقمى

مناعة القطيع الرقمى

مصطلح مناعة القطيع ظهر مع وباء كورونا ومعناه ببساطة أن يحصل عدد كبير من السكان على التطعيم أو يصاب بالمرض وعليه فإن احتمالية حدوث إصابات جديدة تقل كثيرًا قبل حدوث هذه الأمور.



أما وإن اعتبرنا أننا جميعًا قد أدمنا شبكات التواصل الاجتماعى فإن شيئًا مشابهًا قد حدث لنا بالضرورة وهو ما يمكن تسميته مناعة القطيع الرقمى وهنا يظهر السؤال التالى مباشرة وهو هل هذه المناعة أمر إيجابى أم أمر سلبى وما هى خصائص تلك المناعة؟ إجابة السؤال الأول ببساطة وصراحة هو أمر سلبى بل فى غاية السلبية فخصائص تلك المناعة الرقمية تتمثل فى المزيد من التوحد مع تلك الشبكات بعيدًا عن التواصل الإنسانى الطبيعى وهذا يشمل أيضًا أن يصير الإنسان ملولًا غير قادر على التركيز أو البقاء متابعًا لأى قضية أو موضوع المتابعة اللازمة للحصول على ثقافة عميقة حقيقية.

تستطيع أن تلمس ذاك ببساطة من الإقبال على المنشورات القصيرة وعدم القدرة على قراءة المنشورات الطويلة أو مقاطع الفيديو التى يزيد طولها عن ثلاث دقائق بأى حال من الأحوال.

تشمل خصائص تلك المناعة أيضًا الشغف والولع بالأخبار الصادمة والغريبة مع القليل من التدقيق والتمحيص وعليه فإن الإنسان الرقمى العصرى قد أصبح مسيطرًا عليه ومتحكمًا فيه بسهولة وكما يقول المثل الشعبى: “كلمة تجيبه و كلمة توديه” وهو ما ينقله إلى مرحلة رد الفعل الأخرق المتسرع وتزداد الحاجة إلى إبداء الآراء حتى وإن لم يطلب منه ذلك كما تحدث حالة من النشوة والانتشاء عند متابعة أى من تلك المعارك التافهة والأمثلة على ذلك كثيرة و متعددة رأينا العديد منها خلال الفترة السابقة فبين آراء وفتاوى دينية و تفسيرات فردية لأسباب وقوع بعض الجرائم والهستيريا العقلية الناجمة عن هذا والتى تتمثل فى استخدام خاصية التعميم غير الحقيقى فحالات القتل حدثت وستحدث وحالات الانتحار حدثت وستحدث ولكن مشكلة التعميم تعطى انطباعات غير حقيقية مفادها أن تلك الحالات ليست طبيعية ولا يتم نسبها إلى عدد السكان بل يشعر المواطن الرقمى القاطن فى تلك الشبكات أن ما يحدث هو ظواهر جديدة ولها درجة انتشار كبيرة وهو غير حقيقى على الإطلاق وخطورته أن هذا يمهد للعقل انتظار الحادثة القادمة بتلهف وتعكس لكى يتمكن من إثبات نظريته الخاطئة.

من القضايا التافهة التى أثيرت فى الأيام الماضية ما أثير عن اختفاء مطربة شهيرة ودوران ماكينات نظرية المؤامرة الموجهة والمقادة من قوى معلومة لأغراض سياسية دنيئة أو أن يثار الجدل ويتصاعد عندما تقوم بطلة رياضية بالسجود فرحًا بعد فوزها فى إحدى البطولات فتترك هستيريا القطيع الحدث الرياضى والإنجاز الكبير وتتفرغ لانتقاد فعل السجود بدون ارتداء ملابس محتشمة أو على الأقل إسدال الصلاة الذى ترتديه النساء.

ما يحدث من هستيريا لن تنتهى فهى تشبه حالة العطش التى يحاول صاحبها الارتواء من خلال تجرع الماء المالح الذى لن يزيده فى الحقيقة إلا عطشًا وهى حالة تستوجب الانتباه والمعالج الفورية وإلا فإن العواقب قد تكون وخيمة.