خطاب العنصرية فى الأدب والفنون يكشف المسكوت عنه فى المجتمعات

خالد بيومى
منذ فترة وجيزة، سخر زعماء حزب الشعب الهندى من نبى الإسلام، واضعين علاقات دبلوماسية مهمة على المحكّ. وتحرّكت إدارة مودى بشكل متأخّر على إثر الإجراءات الاقتصادية الانتقامية التى اتخذتها الدول المجاورة مثل إيران وقطر والكويت.
فى الأدب بصفة خاصة تتجلى العنصرية فى أوضح صورها الثقافية. سيتذكر القارئ شكوى عنترة من التحيز العنصرى فى قبيلته، وسيتذكر هجاء المتنبى لكافور. لكن الأدب العربى قديمه وحديثه مليء بالمواقف العنصرية سواء قرأنا كتب الجاحظ لا سيما رسائله حول السودان والبيضان، أو قرأنا شعر أبى نواس أو بشار أو غيرهما ممن هجا العرب، أو جئنا إلى العصر الحديث وقرأنا هجاء نزار قبانى لعرب الصحراء. فى العصر الحديث الوضع مختلف؛ فالعنصرية حاضرة بقوة فى أنواع من الأدب أكثر من غيرها، وإن كان ذلك بصور سردية أكثر منها مواقف شخصية. هى فى الرواية أكثر منها فى الشعر، والسبب فى ذلك على الأرجح أن الرواية حكاية منفكة عن ذات الكاتب، يصف فيها المشاعر والمواقف دون أن يتلبس هو أو هى بما يسرد، فى حين أن الشعر فضّاح للمشاعر والمواقف. ويذكرنا هذا بأن العنصرية ليست بالضرورة انعكاسًا لموقف الكاتب، وإنما قد تكون كما فى السرد حالة اجتماعية أو فردية ترسمها الحكاية. لكنها موقف فردى فى الغالب حين تأتى فى قصيدة؛ لأن الموضوعية نادرة فى الشعر، الموضوعية ليست بمعنى الحياد وإنما بمعنى أن يكون موضوع القصيدة منفصلًا عن ذات الشاعر (مع أن ذلك التموضع خارج الذات ممكن فى الشعر الدرامى والملحمى). ومع ذلك، فإن من الممكن قراءة تحيزات الكاتب العنصرية فى ثنايا العمل السردى حين يتضح تحيزه إلى شخصيات أو مواقف بعينها.
رواية «ساق البامبو» للكاتب سعود السنعوسى تتناول الرواية البحث عن الهوية فى الكويت ودول الخليج العربى، وتتطرق للعنصرية تجاه العمالة الأجنبية فى دول الخليج، طارحة تساؤلات نقدية حول تداخل الدين والثقافة عند العرب، مما أهلها لنيل جائزة البوكر للرواية العربية 2013.
رواية « شعب يوليو» للكاتبة الجنوب أفريقية نادين جورديمر الحاصلة على جائزة نوبل للأدب 1991، عن مجمل أعمالها المناهضة للتمييز العنصرى فى بلادها. تلقى الضوء على الصراع ما بين البيض والسود، الذين كانوا يتعرضون لعنصرية مقيتة من طرف البيض، واستبعادهم عن إدارة الدولة وامتلاك الثروات، فى جنوب إفريقيا أواخر القرن الماضى.
أما الكاتب التركى أورهان باموق فأجمل أعماله «اسمى أحمر» طرحت قضايا الأرمن والكرد، فى صراعهم مع العنصرية القومية الطورانية «التركية»، ليتوج بجائزة نوبل للآداب، سنة 2006، وتسبب كشفه للعنصرية التركية ضد الأرمن والكرد، فى ملاحقته قضائيا أمام القضاء التركى بتهمة «إهانة الهوية التركية»، ولكتاباته التى تندد بمذابح الأرمن. تلقى «باموق» تهديدات بالقتل، فهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما نال جائزة «الإندبندنت» لأدب الخيال الأجنبى 1990.. أما رواية «محبوبة» للكاتبة الأمريكية تونى موريسون فقد فازت بجائزة «بوليتزر»، أكبر الجوائز الأدبية فى الولايات المتحدة عام 1988. ثم حازت نوبل عام 1993، عن معظم أعمالها التى عبرت فيها عن أوضاع السود بكثير من الواقعية والعمق والتعاطف. تظهر رواياتها بحس ملحمي، وتصوير شاعرى دقائق حياة المجتمع الأمريكى.
فى الرواية العربية المعاصرة تحضر العنصرية فى أعمال تتعمد إثارة ذلك الوضع المأسوى سعيًا لكشف المستور وفضح ما لا يرغب المجتمع غالبًا فى الكشف عنه. وهنا تتبين العنصرية بأنواعها المختلفة: العرقية والقبلية والمذهبية والطبقية، وغيرها. ومن متابعتى الشخصية بدا لى أن الموضوع اكتسب بعدًا أكثر حدة وكثافة فى أعمال روائية جاءت من منطقة الجزيرة العربية بصفة خاصة. الرواية فى السعودية وبعض دول الخليج منحت العنصرية مساحة بارزة، بحيث يمكن القول إنها ثيمة رئيسة فى العديد من الروايات. ويحتل التمييز وغالبًا الاضطهاد القائم على البشرة أو اللون وما يتصل به من استرقاق قديمًا أو مجرد تمييز طبقى أو فئوى حديثًا مكانة بارزة بين قضايا العنصرية المسكوت عنها اجتماعيًا ولكن الصارخة روائيًا. روايات مثل «لأنى أسود» للكويتية سعداء الدعاس، أو «جاهلية» للسعودية ليلى الجهني، إلى جانب روايات مثل «ميمونة» لمحمود تراوري، و«شارع العطايف» لعبدالله بخيت، وهما كاتبان سعوديان، و«سيدات القمر» للعمانية جوخة الحارثي. هذه الروايات تصادم العنصرية على نحو يتضح منه موقف الكاتب المتعاطف مع الضحايا من خلال النظر من زواياهم أو إبراز وجهات نظرهم والموقف الاجتماعى المدان تجاههم. ومن الأمثلة البارزة هنا ما نجد فى رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثى التى تروى حوارًا بين ظريفة، المرأة المسترقة لدى التاجر سليمان وابنها سنجر، حيث ترفض ظريفة خروج الابن على طاعة سيده حين يسمى ابنته باسم الناس الأحرار «... إيش؟... سيقتلك التاجر سليمان؛ تسمى على اسم أهله وأولاده؟ أنت جنّيت يا ولد؟ تكبّر راسك على من ربّاك وعلّمك وزوّجك؟».وكما للعنصرية فى بعدها السياسى والحضارى وتجلياتها الإعلامية منظروها، فبالتأكيد هناك مبررات عديدة نتوقعها فى جعبة المدافعين عن «القيمة الأدبية وحدها»، ولكن فى الحالة الأدبية، الروح هى التى تتضرر، على مستوى أعمق ولكن أكثر تأثيرًا.
كتب الفيلسوف المجرى جورج لوكاش فى أعقاب الحرب العالمية الثانية كتابًا ضخمًا بعنوان «تحطيم العقل..كيف ضلت الفلسفة الطريق؟»، أوضح فيه المسار الخادع الذى اتخذته الفلسفة الألمانية العقلانية فى الظاهر، اللاعقلانية فى الحقيقة، وأدى إلى وصول النازى إلى الحكم.