السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«العقرب»

«العقرب»

العقرب هو العقرب... مستحيل يتغير..لكن لديه قدرة غريبة على تغيير كل خصال جسمك فى ثوانٍ وبمجرد ما يلدغك..  تبدأ تعانى صعوبة فى التنفس...ارتعاش عضلات الجسم...حركات لا إرادية فى الرأس و العينين... سيلان اللعاب...تعرق..غثيان.. حالات تقيؤ.... ارتفاع ضغط الدم.... تسارع دقات القلب.



التغييرات التى تحدثها لدغات العقارب بتكون واضحة ومع ذلك البعض بيتجاهلها أو بيقول إنها غير مؤثرة ولاتؤدى إلى الموت..مجرد تغيير وقتى وممكن تسترد حالتك الطبيعية لو تحملت بعض الوقت.. ولا ينتبه كثيرون إلى أن اللدغات المتكررة والتغييرات المتتالية والتى تتم بدأب وإصرار لا محالة وراءها خطة ممنهجة وأنها ستأتى بنتائج طال الوقت أوقصر... فلن تتوقف اللدغات من نوعية ترضعى طفلك بأجرٍ وترضعى زميلك فى الشغل مجانًا...الشرع لم يقل أن تطبخى ولم يقل لك قدم لها العلاج لو مرضت...من حقك تنظر لها وهى تستحم لتتشجع على الزواج.. المساكنة أو زواج التجربة هو الطريق الصحيح.

لدغات تبدو بعيدة عن بعضها.. تسبب التقيؤ أحيانًا.. زيادة ضربات القلب وزيادة الأدرينالين فى الدم فى أحيان أخرى..لكن كلها بتعمل بمنهجية واحدة ولهدف واحد تغيير الهوية المصرية.

«العقارب» من النوع الذى يلدغ بهذه الطريقة.. هو نفسه فاقد للهوية..لا هو حشرة ولا هو حيوان.. الحشرة عادة بـ6 أرجل.. والعقرب له 8.. الحيوانات تعض.. والعقرب يلدغ من ذيله الذى ينتهى بإبرة اللدغ.. فالعقرب يمتلك ذيلًا منحنٍيًا مجزأ ومائلًا وينتهى بالإبرة التى من خلالها يقوم بلدغ كل ما يصادفه، وتنتهى أرجله بمقارض تشبه الكماشة... هوية ملتبسة محيرة وتعمل طوال الوقت على تغيير هويتك لتكون مثلها بهوية ملتبسة أو بلا هوية.

«سم العقرب» فى الظاهر لا يقتل الإنسان... هذا فى الأغلب الأعم، وإنما يسبب آلامًا شديدة، وإذا تعرض الإنسان للدغة العقرب أكثر من مرة، فإن إحساسه بالألم يخف نوعًا ما عن ذى قبل، يتعود على اللدغ ويتعايش معه وهذا هو أخطر ما فى التعود.. المسألة مجرد وقت للتعود بعدها ستعمل الخطة بمفردها... تغييرات شديدة فى الهوية.. فى ظنى هذا هو بداية التنفيذ لما قاله تقرير الاتجاهات الاستراتيجية 2040 الصادر فى مارس 2021 عن المخابرات الأمريكية ،والذى يوصى خلال العشرين سنة المقبلة بتنشيط الهويات العابرة للحدود باستخدام التكنولوجيا وإنشاء مزيج من الهويات العابرة للحدود البارزة حديثًا، والولاءات الراسخة، وإظهار خطوط الصدع داخل الدول، وتقويض القومية المدنية، وزيادة التقلبات... والعمل على تنشيط الهويات دون الوطنية للتخلص من الانتماء القومى الذى قامت عليه الدولة القومية، ومساعدة ومساندة الهويات ما فوق الوطنية بحكم العولمة، خاصة بعد تدفق وثورة المعلومات التى يعيشها العالم.

الهدف واضح من التقرير “ضرب الهوية” لكن علينا أن نسأل... ما أول خطوة فى التنفيذ... بالتأكيد لن يتم التنفيذ إلا بعد عملية تكسير واسعة لهويتك والتى قال عنها التقرير نفسه “ينجذب كثير من الناس نحو مجموعات مألوفة ومتشابهة التفكير من أجل المجتمع والأمن، بما فى ذلك الهويات العرقية والدينية والثقافية”.

«هوية مصر» مصر فى خطر؟... أعتقد أن من لايرى ذلك جانبه الصواب.. فمصر تشهد فى هذه الفترة من تاريخها الحديث بل من تاريخها عبر السنين مجموعة من التحديات تتعرض لها الهوية المصرية من حيث طبيعتها وأبعادها وعلاقة التجمعات البشرية التى تعيش وعاشت على ترابها وارتوت من نيلها عبر العصور.

الهوية المصرية.. هوية مركبة بها تراث مصر الفرعونية، وبها تراث الأديان السماوية الثلاثة، وبها لغة العروبة ولغة العلم الحديث، وقد استوعبت هوية مصر شعوب عديدة جاءت للتعلم أو للغزو وأضافت لها بعض سمات جديدة لهويتها ولكنها لم تستطع أن تسيطر على الهوية المصرية أو تغييرها جذريًا، والآن جاء الدور للعب على هذه الهوية وتكسيرها ولن يكون هناك باب أفضل من باب الدين للدخول والوصول للهدف فهناك حقيقة ثابتة، هى أن الدين عنصر أساسى فى الهوية المصرية، والتدين إحدى سماتها من عصر الفراعنة بل منذ بدء الخليقة وظهور الشعب المصرى، ولكن التدين شىء وسيطرة المفهوم الدينى بطريقة إقصائية للآخر - أيًا كان هذا الآخر من نفس دينك أو مغاير له - شىء مختلف.

التغيير المطلوب الذى تنفذه عقارب بشرية يلائم جدًا طبيعتها فهى كما العقارب الحقيقية لا تعرف الحياة الاجتماعية تعيش كل منها منفردة، وفى عزلة، وإذا التقت اثنتان من أنثى العقرب تقاتلتا حتى تقتل إحداهما الأخرى.

حتى فى عملية التلقيح سر الوجود والحياة تمتاز” العقربة “ بأنها قاتلة بدم بارد... تخرج الذكور والإناث من أماكنها للتلاقى، وبعد التلقيح بهدوء شديد تتحوّل “ العقربة” إلى زوجها المنهك الضعيف لتلتهمه.. ثم تحمل أنثى العقرب بيضها فوق ظهرها، حتى إذا خرجت الصغار بقيت فوق ظهر أمها لمدة أسبوعين، وبعد ذلك يبدأ الصغار التهام أمهم.. فالعقارب هى حيوانات مفترسة انتهازية بطبيعتها تتغذى على أى شىء يوقعه حظه العثر فى طريقها.

العقارب تبقى طويلًا بلا حراك حتى تنتقى الضحية المناسبة التى تذهب بإرادتها الكاملة إلى منطقة الكمين، والعقارب تفتقر إلى الفكين ، وعادات التغذية لديها مختلفة..تمضغ الفريسة بهدوء مع كميات السوائل الهضمية التى يتم إفراغها والتى تعمل على تغيير هوية الضحية وتصغيره ليكون سهل الالتهام .. ثم يتم تفكيك أجزاء الضحية الناعمة وتسييلها وامتصاصها فى المعدة ، وتعتبرعملية الأكل عند العقارب عملية بطيئة، وغالبًا ما تستغرق ساعات طويلة فهى صبورة فى عملية تغيير وتصغير الضحية وتتحمل من أجلها الكثير والكثير.. فالهدف كبير.

لدغة العقرب خطيرة جداً وعدم علاج اللدغة وتطهيرها مباشرة قد يؤدى إلى بتر المكان الملدوغ ... فالعقرب هو العقرب، ولا يستطيع أن يكون غير ذلك، حتى وإن حاول جاهدًا أن يُغير من طبعه وسلوكه، فممارسة اللدغ هى هوايته المفضلة، بل ظيفته التى لا يُجيد غيرها.

وفى رأيى أن المطلوب الآن لمواجهة العقارب ليس حوارًا لايقدم ولايؤخر ولا حديثًا مسكنًا من نوعية العالم كله يعانى ولندن وبرلين فيهما مجاعة وخراب ولا الاعتماد على أبواق محروقة تردد كالببغاوات أننا شعب متدين بطبعه وأن كل مايحدث لن ينال منا شىء.. نحن فى أشد الحاجة إلى تقديم سياسات عامة وبرامج تفصيلية من شأنها أن تعالج مشاكل الناس الواقعية وتجيب عن أسئلتهم البسيطة ، فالسياسة الآن باتت تدور حول لقمة العيش والخوف من الغد وعدم القدرة على تسديد الفواتير.