فورقيعة
الخروج من عباءة وقار المسرح الكلاسيكى على خشبة المعهد العالى للفنون المسرحية

هند سلامة
خلف جدران المعهد العالى للفنون المسرحية تتعدد المواهب الشابة التى تعمل خلف أسواره متوارية فى الظل بين مشاريع تخرج ومهرجانات دورية، قد يشاهدها بعض الجماهير أثناء عقد مهرجانى المسرح العربى والعالمي، وهو النشاط الفنى الذى دأب المعهد على تنظيمه طوال السنوات الماضية لتدريب طلابه على التطبيق العملي، لكن للمرة الأولى فى تاريخ المعهد العالى للفنون المسرحية التى يقرر فيها فتح الباب للجماهير وممارسة النشاط الفنى بعيدا عن مواسم مهرجانيه بالعرض المسرحى «فورقيعة» الذى قدم الأسبوع الماضى على خشبة مسرحه وحضره عدد كبير من النقاد ونجوم الفن.
يرجع الفضل فى انتهاج هذا الفكر للدكتورة والمخرجة انجى البستاوى التى اقترحت على عميد المعهد الدكتور مدحت الكاشف تقديم عروضا خارج إطار المواسم المسرحية المتعارف عليها لتشجيع الطلاب، وممارسة فن المسرح بشكل فعلى وكأنه مؤسسة محترفة تدفع بمواهبها للأمام، فكر عملى تضع به البستاوى حجر لتأسيس شكل آخر فى أسلوب التعامل مع عروض المعهد ولفت نظر العاملين بمجال الفن إلى طلابه بشكل واقعى، جاء العرض المسرحى تطبيقا عمليا لمادة العامية المصرية التى تحاضر فيها الدكتورة انجى لطلبة الصف الثانى موازي، تضمن هذا التطبيق العملى تقديم عرض للكاتب نادر صلاح الدين وهو من أهم كتاب الكوميديا على الساحة الفنية، وبطولة مجموعة من طلاب الصف الثاني، والمفاجأة كانت فى منطق اختيار البستاوى لنوع النص المسرحى الذى قررت تقديمه على خشبة هذا المكان، حيث استعانت بنص كوميدى للمؤلف نادر صلاح الدين وهو ما يعتبر نقلة جديدة وجريئة فى تاريخ معهد فنون مسرحية الذى ظل سنوات حبيس الأعمال الكلاسيكية والدرامية صاحبة الفكر والتأمل.
خرجت إنجى عن النمط السائد فى شكل العروض المقدمة على خشبة معهد فنون مسرحية وقررت تدريب طلابها على شكل من اشكال الاحتراف بعروض السوق، خطوة كبيرة ومهمة تحسب لها فتحت أفق تفكيرها بضرورة تدريب طلابها على كيفية الوقوف على خشبة المسرح والتعامل مع الجمهور بعروض «الكوميديا» النوع الأقرب والأحب لقلوب الجماهير، بجانب اكتشاف مواهبهم فى الارتجال وصناعة الكوميديا وهم مازالوا فى السنوات الأولى من عمر دراستهم بالمعهد، ذكاء كبير تمتعت به البستاوى كمخرجة ومعلمة داخل أكبر صرح تعليمى لتدريس الفن والدراما «أكاديمية الفنون» ..خرجت من عباءة الجمود الفكرى والالتزام بتقاليد تقديم أعمال كلاسيكية إلى شكل أرحب وأوسع لتدريب هؤلاء على التعامل مباشرة مع واقع السوق المسرحى الذى سيكونون بصدد مواجهته بعد انتهاء الدراسة مباشرة، بجانب حرصها على دعم تلك المواهب بدعوة نجوم وصناع محتوى كوميدى لاكتشاف وتقديم هؤلاء الشباب وجذب الانتباه إلى الموهوبين منهم كما تشدد فى قولها على ضرورة أن يلعب المعهد دوره بتقديم طلابه لسوق العمل الفني.
«فورقيعة»..يتناول قصة رجل ثرى عزت الأسيوطى الذى يسعى للبحث عن ابنه الشرعى بعد أن يتذكر أنه كان قد أنجب من أحد الخدم لكنه لا يعلم طريق ابنه، يقوم بنشر إعلان فى الصحف يتقدم له أكثر من شخص يدعى أنه الابن الشرعى ثم يكتشف فى النهاية تعرضه لمؤامرة كبرى من خادمه تدور هذه الأحداث فى مفارقات كوميدية.
ربما كانت المفاجأة فى هذا العرض وقوف معظم العاملين فيه على خشبة المسرح للمرة الأولى بتقديم أصعب ما يواجه به الممثل الجمهور «الكوميديا».. تعتبر الكوميديا اصعب وأشق انواع الفن لارتباطها الوثيق بالتفاعل اللحظى مع صالة العرض سواء بالضحك أو العزوف عن الضحك، يتلقى الكوميديان نتيجة مهارته أو اخفاقه فى قول الإفيه أو فى أداء دوره وخفة ظله فى اللحظة الراهنة من عمر العرض إما ارتفع مقامه واسعد الجمهور أو العكس، وبالتالى كان من العسير على هؤلاء الشباب حديثى العهد والتجربة فى الوقوف على خشبة المسرح مواجهة الجمهور بهذه القوة والجرأة التى بدا عليها معظمهم دون تراجع أو ارتباك حتى وإن بدا على بعضهم الرهبة إلا أنهم استطاعوا تقديم عمل فنى كوميدى محكم الصنع بمهارة عالية تحسب لهم رغم حداثة ممارستهم لهذا النوع من الفن، وكأنك ذهبت لمشاهدة أحد عروض القطاع الخاص فى مسرح تجارى وليس بين جدران صرح تعليمي، وهنا لم تقتصر مهارة إنجى على طرح فكر جديد فى منطق التعامل مع طلبة المعهد، بينما تطرح نفسها أيضا كمخرجة محترفة لتقديم أعمال مسرحية بسوق القطاع الخاص خاصة أن هذا الحقل المسرحى الكبير «الكوميديا» كان ومازال حكرا على الرجال وبالتالى إذا احترفت البستاوى قريبا تقديم هذا اللون على مستوى الاحتراف قد تكون أول عنصر نسائى يقتحم مجال الكوميديا وينافس معشر الرجال بالقطاع الخاص وهو ما نأمله قريبا.
شارك فى بطولة العرض إيمان يوسف فى دور رزة، ادهم دسوقى، عزت الأسيوطى، ندى اسماعيل أم سلوى ومفاتن، نهال فهمى حنان، رشوان كيالى عاصم وسيد، محمود شعراوى مجدى والدكتور، أسماء ماهر سليم رجاء وكريمان، محمود نوح فورقيعة، بسام عبدالمنعم عثمان، ديكور عمر أبوالوفا، مكياج رحمة عمر، إعداد موسيقى وتنفيذ مصعب ابوالخير، وقد أوصت رئيس الأكاديمية الدكتورة غادة جبارة بمخاطبة جهات محترفة لاستضافة العرض المسرحى منها مسرح الهناجر، مسرح سيد درويش بمدينة الإسكندرية ومسرح البالون.