الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فانتازيا أقرب إلى خيال الأساطير

«كيوبيد» يطلق آخر سهام الحب فى قاعة يوسف إدريس

خطوة مهمة وقرار حكيم اتخذه مؤخرا الفنان محسن منصور مدير مسرح السلام بإعادة هيكلة وتجديد قاعة يوسف إدريس التابعة للمسرح، التى ظلت مغلقة أحد عشر عاما متصلة مما أثار حفيظته بعد تولى منصب مدير مسرح السلام، فاتخذ قرارا سريعا بإعادة تجديدها وافتتاحها خلال شهور، وبالفعل افتتحت القاعة مؤخرا بالعرض المسرحى «خطة كيوبيد» للمخرج أحمد فؤاد.



«خطة كيوبيد» يتناول مشكلة اجتماعية واقعية حية بأسلوب فانتازى أقرب إلى خيال الأساطير، اعتمد فيه المؤلف على وضع إطار من الفاتنازيا حول أزمة العصر الراهن فى العلاقات الاجتماعية الحب والزواج، فى إطار كوميدى ساخر يتبادل كيوبيد هنا الدور مع مذيع الراديو الشهير أسامة منير بعد اعتزاله إطلاق سهام العشاق، لينشىء برنامجا يستمع فيه لقضايا ومشاكل العلاقات العاطفية ويحاول حلها، وذلك بعد أن أعلن فى بداية العرض أنه توقف عن إطلاق سهام الحب وتراجع عن هذه المهنة الشاقة، بعد التقاعد قرر أن يعمل مذيعا بالراديو لحل قضايا الحب والغرام، لكنه يعود ليطلق آخر سهام الحب فى قلب ابنته وخطيبها حتى ينقذ زيجتهما من الانهيار بعد أن تعددت الخلافات الأولى الساذجة بينهما، يقرر كيوبيد وضع العاشقين تحت اختبارات قاسية بتعريضهما إلى نماذج حقيقية من مشاكل الزواج التى هما بصدد مواجهاتها مستقبلا حتى يقرران فى النهاية الاستمرار فى هذه اللعبة واستكمال قصة الحب والزواج أو التراجع عنها بعد الاصطدام بواقع وأعباء الحياة الزوجية الصعبة.

الزواج علاقة معقدة واختيار شريك لقضاء ما تبقى معه من العمر أصبح أمرا شاقا، وإذا توفر الحب والود وتحققت المرحلة الأولى فى بداية العلاقة هناك مراحل أخرى ربما لم تشغل أحيانا المقبلين على العلاقة الجدية، التى بدأت بقصة رومانسية جميلة لكن هذه الرومانسية الحالمة عن قريب سوف تصطدم بواقع ضاغط، من هنا قرر المؤلف عبد الله الشاعر بوعى وذكاء كبير تناول هذه التفاصيل الدقيقة للعلاقة الثنائية بين الرجل والمرأة فى إطار من الفانتازيا، حيث جاء بكيوبيد نفسه إله الحب فى الأساطير الرومانية القديمة، الذى كانت تشعل سهام حبه قلوب العاشقين، جعله يتراجع عن هذه المهنة ويحيل نفسه للتقاعد خاصة بعد أن عاش هو نفسه قصة حب مع زوجته ثم تحولت إلى نوع من الاعتياد والفتور، لكن خشى كيوبيد على ابنته الواقعة فى غرام ابن عمها فقرر أن يستعيد مهنته ليشعل الحب فى قلبها مع تعريضها وخطيبها إلى اختبارات صعبة حتى يتوثق كل منهما من شدة حبه وحرصه على الآخر، ثم حجم الجهد المبذول لاستمرار هذه العلاقة، رؤية تحمل المزيد من التأمل فى تلك العلاقة الإنسانية الشائكة التى إذا فرغت من الحب والمودة توقف استمرار الحياة بين الشريكين، فإن لم تشعلهما سهام حب كيوبيد، كان عسيرا أن تنضج وتستمر هذه العلاقة سنوات ممتدة وقد لا يستمر الزواج فى ضخ دماء جديدة للحياة إذا توقف عنه أحد أسباب الحياة، وكأن الشاعر يدعو جمهوره من المحبين أو المقبلين أو الراغبين فى الدخول بهذه الشراكة الاجتماعية المعقدة والصعبة صاحبة المسئولية التى تثقل كاهل صاحبها بضرورة التوثق والتأمل من مدى ما يجمعهما من انسجام ومواءمة وحب يكفى لتحمل وإنتاج جيل جديد قادر على التضحية والحب لاستمرار الحياة.

بالطبع قدم العرض كما ذكرنا فى إطار كوميدى ساخر وكأنك تشاهد أحد أفلام الكارتون نجح المخرج أحمد فؤاد ومعه مهندس الديكور أحمد أمين فى تقسيم هذه القاعة الصغيرة لعدة أركان متفرقة ومنسجمة معا إلى أن ندخل إلى منزل كيوبيد وزوجته وابنته، استغل هذه القاعة رغم ضيق مساحتها إلا أنها بدت قاعة تتحمل اللعب والتقسيم وحركة الممثلين الكثيرة بين جوانبها، والتى بدا فيها الحبيبان مثل «توم وجيري»، صنع فؤاد حالة مسرحية بسيطة جاذبة أقرب إلى مسلسلات الكارتون أو الست كوم متقنة الصنع ليناقش من خلالها أفكار مؤلفه فى العلاقات والحب.

يلعب الفنان عبد المنعم رياض دور كيوبيد الأب الحريص الخائف على ابنته والذى لا يريد فراقها لكنه أيضا يسعى إلى ترسيخ وتثبيت الحب بينها وبين حبيبها، فى هذا العرض سوف ترى رياض فى ثوب جديد، هذا الممثل الاستثنائى المتنوع دائما متعدد الوجوه والموهبة ففى «أفراح القبة» التى قدمها مؤخرا على خشبة المسرح العائم الصغير، لعب شخصية سرحان الهلالى صاحبة الأبعاد النفسية والاجتماعية المعقدة، وهنا يلعب دور كيوبيد إله الحب يتحول إلى مذيع فى الراديو تجمعه مفارقات كوميدية كثيرة بين أفراد أسرته، فى هذا النمط الكوميدى السلس البسيط سوف ترى رياض وكأنك تراه للمرة الأولى ككوميديان فقط، وكأن من لعب شخصية الهلالى شخصا آخر جاء من زمن آخر، فنان يمتلك من النضج الفنى قدرة نادرة على التلون والإبداع، ثم كريم الحسينى ابن أخيه العاشق لابنته والذى يضعه كيوبيد فى اختبارات عنيفة حتى يليق بهذا الزواج، كان كريم مفاجأة العرض وقد تمثل هذه العودة صحوة فنية له باكتشاف جانب آخر من موهبته ربما لم يكن منتبها لها من قبل، قدم دوره بأداء تمثيلى وحركى شديد الخفة والانطلاق مع أمنية حسن حبيبته، انطلق الحبيبان معا فى رشاقة كبيرة لتقديم هذه الحالة الفنية الممتعة، جمعهما أيضا جمال الصوت بتقديم مقاطع غنائية اثناء التمثيل أضاف البطلان حالة من البهجة الكبيرة على العمل المسرحى وساهما معا فى اللعب على ايقاع سريع متزن بين التمثيل والكوميديا والحركة الرشيقة، وكأنهما امتلكا من الخبرة المسرحية الكبيرة ما يؤهلهما للتعامل مع قاعة صغيرة بكل هذه الطاقة والحيوية، ثم كانت المفاجأة الفنانة نوال سمير التى قدمت الكثير من قبل من أعمال مسرحية ودرامية تحمل طابعا تراجيديا ربما لم يتصورها مخرج فى عمل كوميدى كانت نوال زوجة كيوبيد والأم على قدر كبير من المسئولية لعبت دورها بمهارة وفاجأت الجميع بامتلاك موهبة فى فن الكوميديا وكأنها كوميديانة سبق لها تقديم الكثير من الأعمال فى هذا المجال، «خطة كيوبيد» عمل مسرحى ممتع ومبهج رغم القضية الواقعية الجادة التى يناقشها بعمق فلسفى وفكرى فى إطار من الفاتنازيا والأجواء الأسطورية، قدم به صناعه نموذجا يحتذى به فى الرؤية والمعالجة الفنية للواقع من خلال الأسطورة، وفى اختيار شكل الأداء التمثيلى الذى جمع بين السخرية والهزل فكان الممثلون أقرب للشخصيات الكاريكاتيورية وبالطبع أسلوب الإخراج السلس البسيط الذى ساهم فى تقديمهم بهذا الشكل وصناعة صورة مسرحية راقية داخل هذه القاعة الصغيرة، «خطة كيوبيد» ديكور أحمد أمين، إضاءة أبوبكر الشريف، إعداد موسيقى محمد عبد الله تأليف وأشعار عبد الله الشاعر، عزف لايف تامر عبد الحميد وأحمد تامر عبد الحميد أزياء مى كمال!