الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الكسل الرقمى

الكسل الرقمى

«إذا لم نفعل شيئا اليوم سنعيش غدا كأول أمس» تلك مقولة سمعتها وترددها دائما الصديقة العزيزة الفنانة التشكيلية منى راجى عنايت وعلى الرغم من أن المقولة تحث على الحركة والإيمان بضرورة التغيير والتطور إلا أن الأمر قد يبدو أكثر خطورة عندما يرتبط بعصر المعلومات وما يشهده من تطور كبير فى الأدوات والآليات التى تتغلغل بسرعة فى أغلب الاحوال وأحيانا أخرى ببطء لتغير حياة البشر فى مناح عدة.



عند النظر الى المستقبل أستعير دائما أسلوب المفكر الكبير الراحل راجى عنايت فى ما اطلق عليه «مد الخط على استقامته» أى أن ننظر الى المتغيرات الحالية ومعدلاتها وننتقل فى الزمن عشر سنوات أو اكثر لنرى أين ستؤول الامور وكيف سيكون شكل الحياة اذا استمرت تلك التغيرات بنفس المعدلات بدون تدخل أى عوامل أخرى.

وقبل تطبيق هذا الأسلوب على عصر المعلومات وأدواته دعونا نعود الى الوراء قليلا لنسترجع التخوفات المرتبطة بانتشار اجهزة التلفاز وزيادة ساعات المشاهدة اليومية وتأثير ذلك على الصحة العقلية والبدنية للإنسان وما قد ينجم عنها من أمراض مرتبطة بالسمنة وقلة الحركة وهو ما قد حدث بالفعل، أو ننتقل الى بدايات ظهور الآلة الحاسبة والتخوف من تأثيرها على القدرات العقلية للأطفال والخوف من مستقبل لا يستطيع فيه المرء إجراء أبسط العمليات الحسابية إلا فى وجود تلك الآلة.

عند الانتقال إلى عصر المعلومات بما تتضمنه من أنظمة فنية -برمجيات- وقواعد بيانات وشبكات ممتدة بين كل دول العالم ثم الانتقال الى شبكات التواصل الاجتماعى ونتابع تاثيراتها على الحالة النفسية والعقلية والبدنية للمستخدمين ثم ننتقل الى التواصل الاجتماعى ثلاثى الأبعاد -الميتافيرس - وتقنيات الذكاء الاصطناعى وانترنت الأشياء وقدرة الآلة على القيام بالعديد من المهام نيابة عن الإنسان فإن مستقبل الانسان قد يكون مهددا بصورة كبيرة ليس فقط على مستوى اندثار بعض الوظائف نتيجة إحلال الآلة محله للقيام بها ولكن أيضا على مستوى مهارات وقدرات الإنسان التى حباه الله بها والتى استمر فى تطويرها وصقلها واستغلالها منذ بدء الخليقة وحتى وقت قريب.

ماذا سيكون شكل إنسان العقود القادمة، هل سيصاب بمزيد من أمراض الكسل والمزيد من العزلة الاجتماعية التى قد تصل الى مستوى الرهاب وذلك ببساطة أنه سيفضل عليها التواصل عبر الشبكات، هل ستبقى مشاعر الفقد والحنين لقريب مسافر كما كانت فى السابق ونحن حاليا نرى أن الحفاوة عند قدومه قد فترت كثيرا عما سبق.

هل القدرة على استدعاء أى معلومة أو خبر بسهولة ويسر ستسهم فى تقليل اعتماد الإنسان على ذاكرته مما قد يزيد من معدلات العته والتشتت العقلى وصولا إلى الزهايمر وما شابه.

هل ستقل قدرة الإنسان على ربط الأمور وتحليلها نتيجة سيطرة أنظمة تحليل البيانات الكبيرة؟، هل يمكن أن نتصور إنسان المستقبل عند انقطاع اتصاله بتلك الأنظمة مجرد كائن رخو سمين ذى رقبة منحنية ونظر ضعيف وغير قادر على التحدث أو التفكير أو اتخاذ قرار بمفرده؟.... أتمنى ألا يكون مد الخط على استقامته صحيحا لأن الإنسان فى تلك الحالة سيفقد أهم نعم الله عليه وهى القدرة على التفكير والاختيار.