الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سيد رجب و سلوى محمد على يفتتحان فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان «دى - كاف»

دأب مهرجان «دى كاف» وسط البلد للفنون المعاصرة على التنوع والابتكار فى تقديم فعالياته الاستثنائية للجمهور، ففى دورته العاشرة يعود «دي- كاف» بعد غياب عامين كاملين بسبب جائحة كورونا إلى جمهوره من جديد، ليقدم المزيد من الأعمال المسرحية الخارجة عن المألوف، ففى افتتاح دورته العاشرة على خشبة مسرح روابط افتتح المهرجان فعالياته بعرض طبخة» على مدار يومين كاملين، قدم العرض الأول الفنان سيد رجب وفى اليوم الثانى قدمت نفس ال«طبخة» الفنانة سلوى محمد على.



 «طبخة» عمل مسرحى تجريبى باميتاز تجرد من كل الحيل المسرحية التقليدية سواء على مستوى الإعداد أو التمثيل، فهو عرض بلا تدريب مسبق أو مخرج يرشد بطله، يطلع فيه الممثل للمرة الأولى على النص المسرحي، ليقدم فى حالة من الانسياب والحميمية والتفاعل الحى مع الجمهور عمل فريد فى نوعه، عن وصفة طعام كتبها المؤلف جسبر بيدرسون ونسيم سليمانبور، يتسلم الممثل هذه الوصفة لأول مرة من مؤسس ورئيس المهرجان المخرج أحمد العطار الذى يعلن مع كل ليلة عرض لكل من سيد رجب وسلوى محمد علي، أن هذه هى المرة الأولى التى يقرأ فيها الممثل نص العرض، فهذا عمل بلا مخرج أو بروفات مسبقة هى مجرد قراءة مسرحية يطلعنا عليها صاحب العمل.

أطلعنا الفنان سيد رجب على قراءته لل «طبخة».. التى هو بصدد تقديمها لجمهوره يبدأ فى القراءة والتحرك لتنفيذ تعاليم المؤلف الذى يرشده خطوة خطوة، عن كل ما يجب القيام به لإنجاز وإعداد طبخة الأرز ويصف له كيف يتم ذلك ثم وصفة عمل السلامون مع اللحم والسلطة التى يشاركه فى انجازها وبناء على طلب المؤلف أحد الحاضرين من الجمهور، فكرة مبتكرة لإعداد وتقديم عمل مسرحى يحمل مزيجا من المتعة والاكتشاف، متعة التفاعل والانسجام مع الجمهور، واكتشاف الممثل لنفسه وللنص ولطبيعة العرض للمرة الأولى، فلم يسبق له وأن أطلع عليه من قبل وهو ما شكل تحديا كبيرا لبطلى العرض، تحد فى مستوى التركيز بالقراءة وأسلوب أدائه لتلك القراءة ثم التركيز مع صالة العرض وتنفيذ تعليمات ما يطلبه مؤلف النص من ارشادات لإنجاز وإعداد هذه الطبخة، مارس بطلا العرض كل شيء فى هذا العمل للمرة الأولى، ولعبا دور المخرج والممثل معا واستطاعا الاثنان بخبرة ومهارة فائقة السيطرة على ايقاع العرض وشكل التفاعل الحى والحيوى مع الجمهور، سيطرت حالة من البهجة على صالة مسرح روابط فى اليوم الأول مع الفنان سيد رجب، الذى كان يساعده الجمهور وكأنه يلعب دور المخرج فى ارشاده على أماكن الأشياء وكيفية وضع الأرز ومقدار الماء والزيت عليه ثم صعد إلى الخشبة أحد الحاضرين لمشاركته فى إعداد السلطة كما قال المؤلف وآخرين لإعداد عصير الليمون بالنعناع.

لم تقتصر إرشادات المؤلف على طريقة وطبيعة الطبخة المقدمة الآن للجمهور بينما كان للنص المسرحى المكتوب أبعاد أخرى من هذه «الطبخة» يسبح فيها بخياله وخيال الجمهور إلى شكل أعمق وأعم من فكرة المطبخ الذى أسس على خشبة هذا المسرح، ففى أجزاء أخرى من إلقاء الممثل للنص المسرحى يتخيل الكاتب قصة حب نشأت بين قطعة السلامون واللحم داخل الثلاجة قبل إعدادهما للطعام، ويتحدث المؤلف عن فكرة خلط الأشياء ببعضها فى الواقع وفى الحياة كما نفعل داخل مطابخنا، نحن نخلط الأشياء ببعضها فى الحياة كما نخلط الطعام داخل المطبخ، أفكار فلسفية طرحها المؤلف من خلال وصفة طعام داخل مطبخ صغير ليدعونا للتأمل والتفكير فى واقع حياتنا الذى يشبه خلطة الأطعمة!

يتحسس الممثل النص ويبدأ فى اكتشافه مع الجمهور أثناء القائه عليه ويسبح مع المؤلف وخياله الجامح لينشأ حالة من الحكى المسرحى مع شكل «الشيف» أو شخصية الطباخ التى تقمصها اثناء العرض، وكأنه طباخ قرر أن يعد وجبة لكن فى شكل حكى  «حدوتة» للجمهور، مع اقتراب انتهاء العرض يدعو الممثل الجمهور إلى إغلاق أعينهم وتخيل شكل لقاء البقرة وسمكة السلامون على شاطىء المحيط، بالطبع مارس فن الحكى بمهارة واقتدار الفنان سيد رجب وكذلك الفنانة سلوى محمد على، مزجا الاثنان أداءهما بخفة حركة ورشاقة وخفة ظل كبيرة مع إضفاء حالة من البهجة والإريحية فى التعايش والتعامل مع الجمهور، وكأن صالة العرض والممثل أصبحا داخل مطبخ حقيقى امتزجا فى كيان واحد، كان المؤلف حريصا على مشاركة الجمهور فى إعداد هذه الطبخة الاستثنائية، وكأنه جزء لا يتجزأ منها ففى اليوم التالى خاصة بعرض الفنانة سلوى محمد على كان للجمهور دور شديد الفاعلية بعد مشاهدتهم العرض الأول، حرصوا على إخبارها سريعا عن أماكن الأشياء، وارشادها دون تفكير لإنهاء حيرتها فى البحث عن أى شيء ثم لفت انتباهها بضرورة استكمال القراءة قبل التسرع باتخاذ الخطوة القادمة، وكأنهم أعدوا هذه الطبخة من قبل. 

استقبلت الفنانة سلوى محمد على هذه الإرشادات بترحاب شديد واستمرت فى مداعبة الجمهور اثناء الحكى والقراءة المسرحية التى لا تشبه نظيرتها، «طبخة» عرض مبتكر يحمل الكثير من الاستثتناء فى عناصره المسرحية غير التقليدية بدءا من استلام الممثل لنص جديد لأول مرة يراه ويمارسه مع الجمهور على خشبة المسرح وهو ما تطلب مهارات تمثيلية استثنائية وقدرة كبيرة فى التعامل مع النص والجمهور وخشبة المسرح فى آن واحد، وبالتالى هو عمل مسرحى احتاج ممثل صاحب مواصفات خاصة جدا، على مدار يومان نجح كل من سيد رجب وسلوى محمد على بأدائهما المتنوع والطبيعى المنسجم مع الحضور فى تقديم هذه «الطبخة» المسلية وإعداد الطعام وتجهيزه فى شكله النهائى على المائدة ودعوة الجمهور لتناوله بعد انجازه!