الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد اكتشافه لشكل المسرح عند المصريين القدماء

المخرج عمر المعتز بالله: وجدت نصوصا مسرحية كاملة فى برديات ممنوعة من العرض المتحفى

قدم المخرج المسرحى ومصمم السينوغرافيا عمر المعتز بالله اطروحته لنيل درجة الدكتوراة من كلية الفنون الجميلة عن «فلسفة السينوغرافيا فى الحضارة المصرية القديمة»؛ لم يكتف عمر باستعراض الأشكال السينوغرافية فى مصر القديمة؛ بينما كانت السينوغرافيا العنوان الذى انطلق منه لاكتشاف كنز كبير؛ نصوص مسرحية على برديات ممنوعة من العرض المتحفي؛ بجانب إثباته وتوثيقه لبدء المسرح بشكل اساسى وكفن له قوام وصناعة كاملة على يد المصريين القدماء؛ وبالتالى يغير عمر بهذه الرسالة الفكرة السائدة الراسخة فى الأذهان عن بداية المسرح على يد الإغريق؛ عن الرسالة وتفاصيل المسرح عند المصرى القديم قال عمر فى هذا الحوار: 



 

■ ما الذى جذبك فى الدخول إلى هذا العالم القديم؟

- لأننى مؤمن بضرورة المعرفة؛ ومن خلال عملى كمخرج مسرحى قبل أن أقول شيئا للجمهور لابد أن يكون لدىَّ المزيد من المعرفة؛ فى الصفحة الأولى من كل كتاب أجد أن أصل بداية المسرح يرجع لليونان؛ بعد حصولى على البكالوريس من كلية الفنون الجميلة كنت أريد معرفة المزيد عن الفن؛ قدمت فى الدراسات العليا بقسم تاريح الفن للتعرف على الإنسانية عن طريق المنتج الأسمى درست مصري؛ يوناني؛ روماني؛ قبطى وإسلامي؛ وفنون عصر النهضة فكرت فى أننى مصرى ونحن البلد الوحيد الذى يمتلك علما باسمه ..«علم المصريات» وبالتالى وجدت المنتج الفنى للحضارة المصرية القديمة ملهما جدا وعظيما جدا.

■ ألم تخش الخوض فى هذا البحر الواسع الذى قد لا تجد فيه ما تريد اثباته؟

- إطلاقا عندما انتهيت من الماجستير؛ كنت قد قدمته عن تأثير الديانة على الفن فى مصر القديمة فترة اخناتون كانت فترة شيقة جدا؛ ثم فيما بعد أحببت التعرف على معلومات بشكل أكبر تخصصت فى المصرى القديم؛ أثناء بحثى عن المعلومات فى الحضارة المصرية ذهبت إلى زيارات متعددة للمقابر والمعابد بالصعيد دخلت فى دراسة أثرية وفنية لأننى أقرأ وأكتب باللغة المصرية القديمة؛ بدأت حالة الانفصال عن الحضارة القديمة تتكسر وشعرت باقتراب أكبر فيما أراه وأعاينه من آثار؛ شاهدت جداريات وبدأت فى قراءة برديات رأيت اشياء غريبة؛ الموضوع بدأ من مشهد فى جنازة؛ من مقبرة أحد النبلاء يدعى «راموزا».. وجدت مشهد الجنازة فى مقبرته بالأقصر فى شكل غريب مجموعة من المشيعين يحملون النعش وآخرون يبكون على المتوفى مثل أى جنازة؛ ثم وجدت مجموعة من النساء يجتمعن فى كتلة واحدة يرتدين نفس الملابس؛ وشعورهن مبعثرة فى شكل واحد؛ نفس اللبس والهيئة بدأت اتسأل؛ اكتشفت أنها فرقة تدعى «النائحات» أو «الندابات» هذه المهنة التى لاتزال موجودة حتى اليوم بالصعيد «المعددة» التى تأتى لتسخين الجنازة واشعالها؛ هذه المرأة تأتى بأجرة مثل استئجار فرقة فى فرح يدفع لها مبلغ من المال مقابل تواجدها مع فرقتها؛ يأتون بملابس معينة واشكال محددة؛ لهم طقوس فى أداء هذه المهمة؛ هذه الأشياء مرسومة ومكتوبة على جدران مقبرة منذ 3 آلاف سنة؛ بعدها وجدت مشهدا آخر غريبا للغاية مع تحليل هذه العناصر؛ اكتشفت أن هذا الموكب الجنائزى يحمل مظاهر وعناصر مسرحية متكاملة وكأنه عرض مسرح شارع كبير؛ لأن الجنازة تحمل فقرات متفرقة؛ عروض مسرحية قصيرة فى مسيرة الجنازة؛ على سبيل المثال كان هناك ما يسمى بال» تكنو» وهو رجل يتم جره على عربة كارو؛ أمامه ووراءه مجموعة من المشيعين؛ يرقد الرجل داخل شيء مغلف من الجلد؛ ثم تخرج يداه من هذا الجراب؛ ويخرج برأسه ليقدم أداء حركيا؛ ويتحرك كأنه فى عرض راقص؛ يأخذ نفسا عميقا ثم ينهار مرة أخرى داخل هذا الغلاف ويختفي؛ هذا الرجل يقدم عرضا مسرحيا صامتا فلسفته أن الموت بعده حياة؛ والحياة بعدها موت؛ وهو بهذا الأداء الحركى كأنه يخرج من الرحم مرة أخرى وكأنه عرض للرقص الحديث.

■ هل أرشدك الموكب الجنائزى بما يحمله من تفاصيل على موضوع الرسالة؟!

- بالتأكيد لأنه كان عرضا كبيرا؛ فيه ملابس وإكسسوارات؛ فرق يتم تأجيرها مقابل مبالغ مالية؛ هناك من يكتب ويخرج ويوجه هذا الرجل الذى قدم الأداء الحركى الصامت للقيام بهذا الفعل؛ أثناء سير الموكب؛ ثم عند وصول الجثمان للمقبرة نلتقى بآخرين؛ فرقة رقص هذه الفرقة مسئولة عن فتح بوابة العالم الآخر؛ حتى ينقلون المتوفى لهذا العالم لهم طقس درامى كبير ورقصات درامية وحركات محددة تعبر عن هذا الحدث؛ حدث الانتقال للعالم الآخر هؤلاء لهم استعراضات يتم تصميمها؛ هم بوابة الزمن بين العالم الحالى والعالم الآخر الموكب يمر من خلالهم؛ وبالتالى هناك مراحل وفلسفة كبيرة من وراء هذه الجنازة.

■ ماذا بعد فتح بوابة الزمن؟

- بعد فرقة الرقص والعبور بالموكب وفتح الزمن؛ المقبرة  تحتوى على غرفة بالمقدمة؛ هذه الغرفة يتم فيها عرض مسرحى قصير متكامل.. يقف أمام الغرفة مجموعة من الكهنة؛ يتم ذبح عجل للمتوفى ثم يدخل الغرفة أحد الكهنة يرتدى قناع «انوبيس» وهو حارس الجبانة؛ يرتدى القناع لاستقبال الميت يخرج كهنة من ورائة؛ ثم يقف الناس للمشاهدة؛ من يرتدى قناع انوبيس يشير الى ابن المتوفى حتى يقف لأداء طقس معين؛ ثم زوجته وابنته؛ يقدمون عرضا دراميا كأن المتوفى اوزريس تقف نفتيس وايزيس للنواح حوله؛ يقول تراتيل وبخور وموسيقى؛ ثم تتم عملية الدفن؛ ففى هذا الموكب الجنائزى دراما كاملة إخراج؛ ملابس واقنعة رقص وموسيقى وجمهور؛ بعد عرض تفاصيل الموكب توقف استاذتى للفت انتباهي؛ وقالوا إن هذا الموكب يشبه عرض مسرح شارع متحرك؛ وبالتالى كان لابد أن انتبه وابحث أن هؤلاء لابد أن يكون انطلق المسرح على ايديهم؛ هذه الحضارة الضخمة التى ابتكرت كل انواع الفنون لا يمكن ألا يكون لديها مسرح؛ سرت وراء هذا الخيط؛ ووجدت أن ارسطو نفسه كتب فى كتاب القوانين أن كل ما عرفناه جاء من مصر؛ وأفلاطون كان يقسم فى محاوراته بحق انوبيس؛ وأرسطو نفسه قال إن البداية الحقيقية للمسرح لا نعلم من أين جاءت بالتحديد؛ وبالتالى هو يؤكد أنها ليست من اليونان؛ لذلك أعتبر هذه الدراسة مثل من يحاول استرجاع آثار مسروقة لأنه تاريخ مسروق؛ أول صفحة فى كتب تاريخ المسرح تتحدث عن اليونان والمسرح الأغريقى أحاول أن أضع صفحة تسبق هذا التاريخ عن المسرح وبدايته من مصر القديمة.

■ لماذا انطلقت من فلسفة السينوجرافيا رغم أنك بالأساس تتحدث عن التاريخ؟

- لأن السينوجرافيا محددات المسرح؛ هى التى تكسب المسرح شرعيته تبدأ من تصميم المشهد بكل ما يحتويه من حركة ممثل بالملابس والمكياج والإكسسوارات والأقنعة والإضاءة؛ لون الإضاءة الإكسسوارات والديكورات؛ حتى الصوت والموسيقى يدخل مع السينوغرافيا؛ وبالتالى لو ثبت وجود السينوغرافيا بالتأكيد هناك مسرح؛ لأن السينوغرافيا لن يتم تصميمها فى المطلق؛ لابد من وجود نص جمع كل العناصر التى تكسب المسرح شرعيته؛ هناك برديات بالبحث عنها وجدت أن أغلبها ممنوع من العرض المتحفى فى المانيا والمتحف البريطاني؛ هناك بردية «الرامسيوم».. هذه البردية عبارة عن نص مسرحى متكامل؛ «سكربيت» مثل ما نراه فى الأفلام اليوم؛ تم ترقيمه بالأحداث يحتوى على ارشادات الحركة للمخرج الشخصيات مرسومة؛ نص متكامل هذا النص يقدم فى مكان ووقت معين؛ أذهب للبحث عنه وأقوم بعمل معايشة للمكان؛ احاول تخيل الحركة والإضاءة؛ ثم اطلعت على برديات أخرى ومعابد ومقابر جمعت كل العناصر المسرحية فى بردية؛ ومقبرة ومعبد؛ لدرجة أننى وجدت شاهد قبر من الدولة الوسطى لممثل شعرت أننى وجدت خشبة مسرح كاملة؛ كتب فيها المديح لأزوريس والأهل يتحدث عن نفسه؛ بأنه هو ..»صاحب الصوت الواضح والعالي.. اجوب كل المناطق فى مصر من شمالها لجنوبها مع الفرقة الخاصة بي.. ورئيس الفريق يقدم دور الإله وانا اقدم دور الملك.. اذا قتلت أحد هو يحيه».. كان هناك فرقة جوالة؛ ووجدت عملا دراميا عن مصرع أوزريس؛ عبارة عن قصة قابيل وهابيل؛ «ست» كان يحقد على أخيه اوزريس فقتله كان عرضا يتم تمثيله ومثبتا فى الرسالة؛ تم تقديم المسرحية لمدة أربعة ايام فى أكثر من مكان بتفاعل حى مع الجمهور؛ فكان لديهم مسرح متجول.

■ وماذا عن العروض المسرحية الأخرى؟

كان هناك عرض بعنوان «انتصار حورس» على جدران معبد ادفو؛ كان يتم تمثيله داخل المعبد؛ وله موسم يقدم فيه مثل المواسم المسرحية اليوم؛ كان هناك مواسم مسرحية فى مصر القديمة؛ ثم إنه لم يكن مجرد فن جماهيرى فى المطلق كان دعاية وإعلان لسياسة الدولة والدين وتوثيق للدراما والأساطير المصرية؛ كان يستخدم أيضا لتوجيه سلوك الجمهور؛ هناك إحدى المسرحيات التى قمت بتطبيق عملى لها بعنوان «الحدائتان» نص مسرحى كامل لعرض موسيقى موضوع العرض «الحداية» وهو طائر مثل الصقر؛ كان المقصود بهما «نفتيس» و»إيزيس» أخت وزوجة اوزريس يقدمان مرثية رثاء غنائى لأوزريس؛ كتب فى النص يتم اختيار فتاتين؛ ومواصفات الشعر والشكل والبشرة والملابس والباروكة؛ يمسكان الدفوف تبدأ الأولى تتحدث بمونولوج ثم تأتى الثانية ديلوج تقدم رقصة ثم يأتى مجموعة من الناس يحملون شخصا يجلس على قدميها مدهون أخضر تغنى له؛ ثم هناك مجاميع للغناء والتمثيل أخذت هذا النص وقدمت له معالجة سينوغرافيا وإخراج وضمنتها فى الرسالة كتطبيق عملى كان يقدم هذا العرض فى معبد «الأوزريون» وهو مكان الحج عند المصريين القدماء الذى دفن فيه أوزريس ويقدم العمل فى موسم الحج؛ وبالتالى بدأ المسرح لديهم بطقس تطور من الفرد للجماعة حتى أصبح فرضا سياسيا يحتلفون من خلاله بأحداث سياسية مثل «انتصار حورس» وكأنهم كانوا يمتلكون مسرح دولة يتحدث باسم ولسان الدولة فى كل شيء.