
د. طارق الغنام
بين الشرق والغرب
نحمد الله أنه بعد توجيه رئيس الجمهورية بالاهتمام بقضية الوعى لدى المواطن أن تضافرت الجهود بين الوزارات ومؤسسات الفكر والجهات المعنية بصناعة الوعى من أجل تحقيق ذلك المطلب.. فقد أطلقت وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة والمجلس الأعلى للإعلام مبادرة «بناء الوعى» كما أطلق الأزهر الشريف مبادرة «أخلاقنا حياة» وكذلك أطلق مجمع البحوث الإسلامية مبادرة «قوم النفس بالأخلاق تستقيم» فى حين أطلقت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مبادرة «أخلاقنا الجميلة».. فالأخلاق قرينة بوجود المجتمعات ويضل من يظن أن الاهتمام بأى قواعد أخرى ولو كانت القواعد القانونية يمكن أن تغنى عن القواعد الأخلاقية، فالقواعد الأخلاقية ليست ترفًا أو رفاهية للإنسان بل إنها تعد من الضروريات للفرد والمجتمع على السواء، ويرجع ذلك إلى أن الإنسان كائن تتنازعه الشهوات والرغبات والنزوات وإذا ترك نفسه لها هبط إلى ما دون الإنسانية وأخل بقيم مجتمعه.
وعلى الرغم من أننا ننادى بالأخلاق ونشر قيمها إلا أن الكثير يجهل تعريف معنى الأخلاق على الرغم من أنه أمر بالغ الأهمية لأن تعريف الأخلاق من شأنه أن يحل العديد من القضايا الأخلاقية بين الشرق والغرب.. فالحقيقة أن تعريف الأخلاق أمر بالغ الصعوبة ويرجع ذلك إلى صعوبة وضع تعريف يتفق عليه الجميع، لاختلاف المذاهب الفكرية، فبعض المذاهب ترى أن الأخلاق نسبية والبعض يرى أنها ثابتة ولو تغير الزمان والمكان.. وعلى أى حال فإننا نرى أن الأخلاق بالأساس هى قيم روحية منبعها فطرة الإنسان ولكن هذا الجانب الروحى لا يكتمل إلا بالجانب الاجتماعى وهى تتسم بأنها نسبية، فقد تكون مقبولة فى زمان ومكان معين ولا تكون مقبولة فى زمان ومكان آخر، فالمجتمع قد يتوافق على قبولها فى زمان ومكان ما كونه يرى أنها تدعو إلى الخير ونبذ الشر وقد لا يُرى ذلك فى مكان وزمان آخر.
وعلى ذلك فإذا سلمنا بأن قواعد الأخلاق نسبية تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، فلا يجوز للدول الغربية أن تفرض قيمها على المجتمعات الشرقية، فبعض القواعد الأخلاقية قد تكون صالحة للتطبيق فى المجتمعات الغربية فى حين أنها لا تتفق مع عادات وتقاليد ومعتقدات المجتمعات الشرقية، فالدول الغربية تؤمن بأن الفرد هو معيار أى شىء أى أنه الحكم الأول والأخير على الأشياء بعيدًا عن التقاليد والعادات ، لذا فالقواعد الأخلاقية يجب أن تتكيف مع مطالبه المتغيرة، فما قد يراه رذيلة أمس قد يراه فضيلة اليوم، ومن ثم فعلى القواعد القانونية أن تتوافق مع هذه التغيرات باعتبارها المعبر الأول عما استقرت عليه القواعد الأخلاقية من تغيرات لديهم.. وهى مسألة تختلف تمامًا عما تستند إليه القواعد الأخلاقية لدى المجتمعات الشرقية التى تعد التقاليد والعادات والمعتقدات الدينية أصلًا من أصول قواعدها الأخلاقية.. لذا لا يجوز نقل فكرة المثلية على سبيل المثال من الغرب إلى الشرق، والتى يرى المجتمع الغربى أنه لا تثريب على تطبيقها لديهم كونها أحد مكونات مفهوم الحرية، فالزواج بين شخصين من نفس الجنس هو مسألة قانونية يُعترف بها غالبية المجتمعات الغربية، والعلاقات الرومانسية بين شخصين من نفس الجنس ينظر إليها على أنها مساوية لتلك التى بين الرجل والمرأة.. إذًا فالمثلية هى إحدى قضايا الحرية التى ينبغى الدفاع عنها لدى الغرب، وهى فكرة تطورت وباتت تدور لديهم فى فلك الأخلاق باعتبار أن القواعد الأخلاقية يجب أن تتكيف مع مطالب الفرد المتغيرة دون الالتفات للتقاليد والعادات والمعتقدات، وهو أمر مغاير تمامًا لفكرة الأخلاق لدى المجتمعات الشرقية التى لا تنفك عن التقاليد والعادات والمعتقدات الدينية، لذا ينبغى على الغرب أن يحترم القواعد الأخلاقية لدى الشرق باعتبارها أحد روافد الاستقرار لديهم.